تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


بطولـــة مزيفـــة بأبطــال مزيفـــين!

فضائيات
الأربعاء 11-11-2009م
نزار شمالي

هي واحدة من المحاولات الكثيرة التي يدأب أصحابها على الولوج إلى العقل البشري وتطويعه لكي يتحول إلى مجرد مستهلك بائس يلهث خلف سراب لا يمت للواقع بصلة، ويفرّط بوقته ومدخراته في مجال لا يعود عليه بأية فائدة.

بل إن الآثار السلبية التي يخلفها كفيلة بوضعه في بداية الطريق المؤدي إلى الهاوية على الصعد النفسية والمادية والاجتماعية وربما الوطنية!‏

برنامج «المجالدون الأميركيون» الذي يعرض تباعاً على إحدى المحطات العربية يبدو للوهلة الأولى برنامجاً مسلياً يتنافس فيه المتسابقون الذين يمتلكون قدراً معيناً من اللياقة مع رياضيين محترفين (المجالدون) في عدة مسابقات ويفوز في النهاية المتسابق الذي استطاع أن يفوز في أكبر عدد من المسابقات وأن يجمع أكبر قدر من النقاط.‏

تبدو هذه الصورة بريئة ومسلية في آن واحد لكن متابعة البرنامج تستدعي الالتفات إلى الخطر الكامن خلف اللهاث غير المجدي خلف انتصارات فردية وهمية، وتترافق هذه المسابقات مع تشجيع مبتذل من الجمهور الذي بتنا نعرف جيداً أنه مأجور، وأنه يتحرك بأوامر مباشرة من منتجي البرنامج، فهم بالتأكيد أحد أهم عناصر إنجاح العمل وإضفاء لمسة من الواقعية عليه. وبعد كل مسابقة يقوم مقدموا البرنامج المتحمسين بسؤال المتسابقين عن تجربتهم الرائعة فلا يبخل هؤلاء بجملهم الإنشائية المنمقة التي تحفز المشاهد على التوجه سريعاً إلى أقرب مركز رياضي لكي يشعر بما يشعر به هؤلاء!‏

كل المؤثرات المستخدمة تهدف بشكل غير مباشر إلى إضفاء لمسات درامية تجعل الصورة واقعية إلى أبعد الحدود. لقد أصبحت عملية تشويه الإنسان وتجريده من إنسانيته ودفعه إلى هدر طاقاته في أمور لا تمت للحياة بصلة سمة عامة تميز أعمال هوليوود، فكل شيء في نظرهم سلعة قابلة للبيع والشراء.‏

إنها عبارة عن عملية ممنهجة تستهدف الجميع بمن فيهم المواطن الأميركي. عملية خلط فجة بين الواقع والوهم تقلب الموازين وتجعل القضايا الهامة تبدو كالهامشية والعكس صحيح. فمعنى البطولة والتفاني في سبيل قضية ما تقلص إلى أن أصبح مجرد معركة مع الحبال والشباك وبعض الأشخاص مفتولي العضلات، والهدف الوحيد هو التفوق الرمزي الخالي من أي هدف أو معنى!‏

الأمر الذي يدعو للاستغراب والدهشة هو تلك المحطة العربية التي تحرص على عرض هذه النوعية من البرامج بعد أن حققت مبتغاها في الغرب وساهمت مساهمة كبيرة في تدعيم أسس المجتمع الاستهلاكي. حري بمحطة تمتلك إمكانات هائلة أن تقدم ما يخدم قضايا شعبها العادلة (وما أكثرها) وأن تساهم في ترسيخ معاني البطولة الحقيقية الهادفة إلى تغيير واقعنا المظلم الرديء. (فإن كانوا لا يعلمون فتلك مصيبة وإن كانوا يعلمون فالمصيبة أكبر!)‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية