تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


لعبة التخفي وراء أقنعة الشخصيات!

كتب
الأربعاء 11-11-2009م
لميس علي

تلقي علوية صبح بنفسها في بئر روايتها (مريم الحكايا) تزج تلك النفس في المعمعة التي تذوب بها شخصياتها، شخصيات هي مصدر الحكايا الجامعة لحكايا كثيرة فرعية تسردها مرة الروائية..

ومرة أخرى (وهي الغالبة) تأتي على لسان البطلة (مريم) ولا بأس من أن تكون هناك محاولة سردية ثالثة على لسان شخصية أخرى (ابتسام).‏

نساء ثلاث (علوية- مريم- ابتسام) تأتي الرواية على ألسنتهن وفق انتظام الخيط السردي مابينهن بالتناوب أحياناً.‏

صبح تحضر باسمها الحقيقي (علوية) لعبة تمويه تشي باحتراف القص الروائي، فتخلط عبر هذه الأسلوبية أوراق اللعب الحكائي..‏

للحظات كثيرة يظن القارئ أن ماتنطق به (مريم) ليس سوى كلام (علوية)، وربما ما تتلفظه (ابتسام) وما تتساءله هو ليس إلا بعض أفكار علوية أو مريم أو كليهما معاً. وهواجس هؤلاء النسوة تتقارب، ذلك أنها منسوجة في أفق مدينة واحدة، تتنفس ذات الهواء هواجسهن، أحلامهن تتلاحم مع مناخ عام أفرزته مدينتهن الضائعة المطحونة التائهة لأسباب الحروب المتتالية التي أنهكتها..‏

فهل ثمة مقدرة على متابعة الحلم في ظل واقع الهزيمة؟‏

تتساءل ابتسام (لكن لماذا انهزمنا؟ لأننا كنا كاذبين، أم لأننا كنا صادقين كل الصدق؟)‏

ترصد الروائية عبر حيوات شخصياتها واقع التبدل والتحول الذي آلت إليه مصائرهم، تغيروا كما مدينتهم باتجاه الوراء هم أسرى الماضي أسرى للحظة الحلم بالأفضل والأجمل، لحظة الزمن الذي انقضى..‏

فماذا عن لحظة الحلم الآنية الحالية، إن كان هناك من فرصة لمعاودة الحلم؟‏

وكأنما خيار الروائية بجعل زمن السرد عائداً إلى الخلف، هو خيار يتواطأ مع لحظة الماضي ضد الحاضر، هي تكتب الحاضر من خلال الماضي كما لو أنها تقرأ هذا الحاضر من خلال ما مضى وانقضى من أحداث وظروف مرت بها البلد (لبنان) ولهذا تعود دائماً بالحدث إلى ماقبل (20-25) عاماً.‏

لحظة بداية الرواية هي لحظة وصول الفيزا إلى يدي (مريم) المشغولة بالبحث عن (علوية)، وحتى لحظة النهاية ستبقى مشغولة ببحثها هذا وبسؤالها عما إذا كانت ستفي بوعدها لها وتقوم بكتابة ذكرياتها ذكريات مريم والشخصيات الأخرى ابتسام، ياسمين في الرواية التي وعدت بها.‏

عند هذه النقطة تحديداً، في تساؤل (مريم) عما إذا كانت (علوية) ستكتب روايتها، شيء من التماهي مع حالة الروائية (صبح) ذلك أنها بقيت (15) عاماً بعد كتابها الأول (نوم الأيام) الصادر عام 1986م، دون أن تكتب أي كلمة وكأنها كانت في فترة تحضير، فترة استعادة للذاكرة، فترة هضم لكل ما حدث من أمور تصدق ولا تصدق تحت سماوات مدينتها، مدينة عاشت حروباً على التوالي (1975- 1978- 1982م) فخلفت أناسها أشباه بشر منكسرين متقوقعين على ذواتهم يحيون مرارة الهزيمة والفاجعة تلو الأخرى.‏

تقول مريم واصفة حال صديقتها ابتسام (سألتني أسئلة كثيرة هل رآنا المناضلون مومسات مستوردات في علبة ثورية جاهزة ياترى؟ هل حين ينهزم الإنسان ينهزم في السياسة والحب وفي كل الأحلام؟ لماذا نحن النساء صدقنا ثم انكسرنا..‏

هل حصدنا خيبات مضاعفة عن خيبات الرجال، الذين صدقنا أنهم متحررون ويريدون الحرية لنا ولهم، وهم في الحقيقة لم يكونوا سوى نماذج لانفصامات نفسية وفكرية ونماذج كاريكاتورية لهارون الرشيد الثوري؟ هل كنا نحن النساء حقيقيات في أحلامنا، أم كانت لدينا أيضاً انفصامات ومشكلات في أجسادنا المخبأة بثياب الثورة والنضال.)‏

اللافت في اللعبة الروائية أنها ليست لعبة مع القراء بمقدار ماهي لعبة مع النفس، مع ذات الروائية.. في الوقت الذي تستجمع فيه قواها لإعادة لملمة حكايتها، تلملم على التوازي مقدرتها على الحياة عبر الكتابة.. ولهذا نراها طوال عملها تسوق سؤال بطلتها الدائم عن مصير الرواية الموعودة.‏

التقنية التي اتبعتها علوية تشبه البناء من الداخل، البناء لبنة لبنة، تفصيلاً تفصيلاً، تناقش هذه الخطوات والتفاصيل مع شخوصها والحقيقة أنه حوار مع الذات عبر وهم الرواية داخل رواية، فالنص يبنى أمام عيوننا نحن القراء.‏

تنهي الرواية بعبارة (لم تتأكد من شيء) لا تخلو من شك مفتوح، بعيداً عن أي يقين إلا أن حيلة الروائية الأخيرة تخلصاً من مصير الانكسارات وحزمة الشكوك التي بثتها طوال الرواية، وهي تأكيدها أنها مضت إلى خط روايتها أخيراً.. يقين وحيد يشع بإشراقة حياة على الرغم من محيط غائم محبط.‏

الكتاب: (مريم الحكايا) - المؤلفة: علوية صبح - صادر مؤخراً ضمن سلسلة كتاب في جريدة والطبعة الثانية عن دار الآداب.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية