|
ثقافة مواهب فنية تستحق الرعاية والاهتمام وممن لم تتح لهم الفرص في الدخول إلى أكاديميات الفنون المختلفة ويمتلكون مواهب واضحة، حيث تؤهلهم بشكل ملفت للولوج إلى عالم الفن عبر رعايتهم وتطوير أدواتهم وصقل مواهبهم ودفعهم لآفاق مستقبلية واسعة من شأنها إبرازهم والارتقاء بنتاجهم. هذه المراكز ومعهد الفنون التطبيقية المتاخم لقلعة دمشق حققت نتائج لا يستهان بها منذ أمد بعيد نسبياً، فمنذ نشأتها تستقبل روادها بفئاتهم العمرية المختلفة فهي تهتم بالأطفال واليافعين والكبار وتضع مناهج تعليمية وتدريسية متنوعة تناسب تلك الفئات وتخضع لأهداف متعددة يتصدرها منح الخريجين سمات الشخصية الفنية المنتجة للعمل الفني إضافة للمساهمة في ارتقاء الذائقة الفنية في المجتمع عبر العلاقة بين الطفل والفن التي تنشأ في مراحل مبكرة. هموم وعثـــرات تعاني هذه الجهات الفنية من جملة هموم تؤرق عملها وتحول دون تطبيق أهدافها، فالتمويل بطبيعة الحال معدوم للبعض منها ومناهج مراكز الفنون التشكيلية والتطبيقية تلهث للتطوير، وأما الأمكنة فهي تضيق مكبلة طموحات التطوير، وأما التبعيات المتوزعة بين أكثر من وزارة لكفيلة بضمور المسؤوليات وضياعها وغياب الدعم على تنوعه، ولنبدأ بمركز أحمد وليد عزت للفنون التطبيقية بدمشق والذي تأسس في بداية الستينيات ليستوعب عملية تدريس عدة اختصاصات هي (النحت وصب القوالب، الخزف، الخط العربي، الزخرفة الإسلامية، التصوير الضوئي، التصوير الزيتي، الزجاج المعشق، صب البرونز) ولكنه اليوم يفتقد للاختصاصين الأخيرين حيث تم إلغاء شعبة الزجاج المعشق وشعبة صب البرونز التي تطلق أبخرة مؤذية تتصاعد إلى الجوار المحيط بالمركز، ما يعني ضرراً للسكان المجاورين وهو الآن و-أقصد المركز- بصدد إعادة هاتين الشعبتين إضافة لشعبتين جديدتين هما الشمع والرسم على الزجاج لكنه يواجه مشكلة أساسية تتمثل في ضيق المكان الذي يحول دون القيام بأي إضافة من شأنها التطوير وهذا ما يعوق خطة القائمين على المركز من افتتاح شعب جديدة مهمة وتلك الملغاة ويضاف إلى عامل ضيق المساحة عامل آخر مهم للغاية يتعلق بمصدر التمويل حيث لا يتعدى التمويل رواتب الموظفين بين إداريين وموظفين والمركز يحتاج إلى مستلزمات كثيرة ومتنوعة تغطى كل تكاليفها من صندوق الطلبة المحدود، فعلى سبيل المثال أصبح المجال مفتوحاً لإعادة شعبة البرونز بتقنيات جديدة من خلال أفران كهربائية خاصة تمنع تصاعد الأبخرة، وتحد بشكل كبير من الأذى الذي تلحقه تقنية صب البرونز بالطلبة والسكان المجاورين للمعهد ولكن هذا يحتاج إلى مال! كذلك فإن معهد الفنون التطبيقية يعاني أيضاً من مشكلة تتعلق بالمكان، فأثناء زيارة أقسام المعهد لوحظ أن المكان المخصص لتحضير أعمال الخزف وتدريس تقنياتها ضيق للغاية ولا يتمتع بشروط صحية وأخرى من شأنها تسهيل عملية التدريس واستيعاب أعداد الطلاب بشكل جيد ومريح لهم كزملائهم في مشاغل النحت التي تبدو أيضاً في وضع مشابه بين الأدوات والمعدات الكثيرة والمتنوعة والأعداد الهائلة للأعمال النحتية ولا تتوقف الأمثلة عند هذا الحد حيث يعاني مركز أدهم اسماعيل للفنون التشكيلية والذي يستوعب طلابه في شقة صغيرة من ذات المشكلة وهو الذي يستوعب أعداداً كبيرة من رواده الراغبين في تطوير قدراتهم الفنية لكن بشروط واقعية تحقق لهم أجواءً وظروفاً مكانية تساعدهم في ممارسة تجاربهم واختباراتهم وواجباتهم ومشروعاتهم التي تؤهلهم للتخرج، غير أن المركز يفتقر للدعم المادي فلا ميزانية مخصصة له وخاصة أن المستلزمات التدريسية كثيرة وثمنها معقول، وإن انعدام هذا التمويل يعوق مشروعات متعددة يطمح مدرسو المركز لتنفيذها كورشات العمل والمسابقات الفنية والمعارض وتطوير آليات التدريس وغيرها ناهيك عن أن الشهادة الممنوحة في نهاية المطاف لا تتعدى سوى أنها خبرة وفقط. انعدام التمويل تقول الفنانة ريم الخطيب مديرة مركز أدهم اسماعيل: ليس لدينا ميزانية خاصة حيث يفترض أن يخصص حجم مالي معين للأنشطة التي نقوم بها والتي نسعى لإقامتها فهي مكلفة ولا يتحملها صندوق الطلبة الذي يخضع لمعايير صارمة ولا يتحمل صرف كل شيء، ونحن اليوم مقبلون على ملتقى نخطط له وسنعتمد بالحد الأدنى من التمويل، إضافة إلى أننا لا نستطيع إجراء مسابقة دائمة حيث نعجز عن تغطية جوائزها ومثل هذه النشاطات لا يختلف اثنان على أهميتها وأرى أن هذا الواقع ينطبق على المراكز الفنية الأخرى، وأما عبد العزيز دحدوح مدير مركز أحمد وليد عزت للفنون التطبيقية بدمشق فيقول: هناك طموحات وخطط مستقبلية قيد الدراسة وهي كثيرة ولكن يواجهنا عائق كبير يحول دون تحقيق ما نبتغيه وهو يتعلق بالمكان فحجم البناء صغير وهذا يعوق التطوير ويؤثر بشكل سلبي على خطتنا لافتتاح عدة شعب مهمة منها أغلق لأسباب تتعلق بهذه المشكلة، وخاصة أن الإمكانية متاحة لإعادة هذه الشعب بعد تطور التقنيات وأريد أن أؤكد على أن نشاطات المركز بحاجة إلى دعم ورعاية وبما أن صرف النفقات يتم من صندوق الطلبة دون أي دعم مادي خارجي فلن نستطيع القيام بنشاطات كثيرة نخطط لها فلا نستطيع إلقاء ثقل هذه النشاطات على صندوق الطلبة المتواضع والذي يتم من خلاله إنفاق كل ما يستلزم حيازة المواد اللازمة لاستمرار المركز في عمله ولهذا السبب لا نستطيع إلا تقديم المعرض السنوي كنشاط فني وعند افتتاح شعب جديدة سنكون بأمس الحاجة إلى الدعم المادي حيث نحتاج إلى مستلزمات كثيرة من أجل القيام بورشات أو نشاطات فنية وكذلك العروض وهنا أقول إن المعرض السنوي الذي نقيمه سنوياً للطلبة نجمع نفقاته من صندوق الطلبة وليس بالإمكان القيام بأكثر من ذلك وأضيف أنه لا توجد أي حوافز أو مكافآت تمنح للعاملين في هذا المركز إلا عن طريق الصندوق المذكور حيث تتوزع تبعيتنا بين وزارتي الثقافة والإدارة المحلية فرواتب المدرسين المكلفين تصرف من الإدارة المحلية كون المركز تابعاً إدارياً ومالياً لتلك الجهة، أما باقي الموظفين من مدرسين وإداريين فيحصلون على رواتبهم من وزارة الثقافة كون المركز تابعاً فنياً لها. مناهج تحتاج للتطوير يبدو أن تبعيات هذه المراكز تحمل أسباب محدودية التمويل أو انعدامه ونرى هنا ضرورة النظر إلى هذه النقطة مع العلم أن كلتا الوزارتين قادرتان على التمويل لهذه الجهات التعليمية الفعالة، وبما أننا نتحدث عن الأدوار المسؤولة فيجب الإشارة إلى قضية المناهج المتبعة في هذه المراكز، لكن قبل ذلك نعرج على معهد الفنون التطبيقية في قلعة دمشق والذي يتبع إدارياً لوزارة الثقافة ويتبع منهجياً لوزارة التعليم العالي وتبعيته المنهجية هذه تؤكد تبلور الناحية التعليمية إلى حد كبير، يقابله فتور من وزارة الثقافة في هذا المجال ينعكس على مناهج مراكز الفنون التشكيلية والتطبيقية كأدهم اسماعيل وأحمد وليد عزت وفي هذا المجال تقول الفنانة ريم الخطيب: يجب إعادة النظر بالنظام الداخلي المتعلق بهذه المراكز والذي صدر منذ زمن بعيد فمن المهم تطوير هذه القوانين لتتلاءم مع الواقع الراهن لهذه المراكز بالنظر إلى قدراته الاستيعابية وأدوارها فمن الضروري إلزام الطالب بمناهج محددة صارمة وهادفة للحصول على نتيجة إيجابية تقدم للطلاب نتائج جيدة ونوعية، ونحن نسعى عبر سبل عديدة كالكتب والمواد النظرية ودفع الطلاب للبحث وإلى امتلاك الطلاب للمعرفة الغنية المرجوة ومن هنا نرى أن ما يكتسبه الطالب يعادل ما يكتسبه من يتخرج من معهد متوسط فالطلاب يبذلون جهوداً كبيرة ونتائجها جلية وهذا يحيلنا إلى موضوع فعالية الشهادة التي يحصلون عليها في نهاية المطاف، وأطرح السؤال التالي: ماذا تعني الشهادة للمتخرج؟ عندما لا تتعدى شهادة خبرة، كذلك وفيما يخص المنهج المحدد والمدروس يتحقق الربط بين مركز الفنون التشكيلية وبين كليات الفنون التي بدأت تنتشر في القطر فبعد خضوع الطلاب لبرامج هادفة وناجحة وخضوعهم لتجارب غنية تتجاوز السنوات لماذا لا تؤهلهم شهادتهم دخول تلك الكليات وبشكل ميسر إن لم نقل تلقائياً وهم المؤهلون لذلك ويتفوقون على من يدخل الكلية للدراسة الأكاديمية إذاً دون تجارب واضحة سابقة أريد التأكيد على هذه النقاط التي تخص المناهج المتعلقة بكل الفئات العمرية والشهادة الممنوحة وأقول إن تطور المركز يتعلق بدوره المتنامي ودعم المؤسسات الأخرى وأما في وضعنا الراهن فنحن ملتزمون بالبرنامج الأساسي للمركز الذي يغنيه الأساتذة وبتقديم المعرفة حول فنون المنطقة والفنون المعاصرة عبر ورشات العمل التي نجريها ونحاول أن نقترب في خطتنا التعليمية بشكل كبير من المنهج الأكاديمي الغربي فالواقعية والتعليم الأكاديمي هو المعيار الأساسي في خطتنا. أما الفنان دحدوح فيقول: منذ تأسيس المركز في بداية الستينيات تقوم إدارة المركز بتطوير وتقديم مناهج تتناسب وسويات طلبته فهم هواة يسعون لصقل موهبتهم وهذا ما يحتاج إلى وضع مناهج خاصة تتناسب مع المستوى الفني لهم حيث يكون بسيطاً من أجل ايجاد حلول يرتكز عليها الطالب ليستوعب بعدها ما طرح أمامه من أفكار في مقدمتها التقنية وخاصة أن المدة الزمنية قصيرة بالنسبة للاختصاص فالاستاذ أو المشرف على الطلبة هو الأساس في العملية التعليمية هذه فهو المسؤول الأول عن وضع واتباع منهج ما يعتمد بعد التنسيق مع إدارة المركز وتتم الموافقة عليه بعد التجربة وهو أشبه بمناهج كلية الفنون الجميلة. عمل دؤوب إن معهد الفنون التطبيقية بقلعة دمشق والذي تأسس عام 1987 يمنح الخريج دبلوم تقني بالفنون التطبيقية بعد دراسة لمدة سنتين وتقديم مشروع تخرج وفي خطة المعهد أن تطول فترة الدراسة فيه لتصل 4 سنوات ويصبح معهداً عالياً في اختصاصاته الحالية والتي ربما تضاف له فهو حالياً يحوي أربعة أقسام هي النحت والخزف والتصوير التلفزيوني والضوئي إضافة للخط العربي وما يبذل على الطلاب من إتاحة الفرص لهم للمشاركة في عدة نشاطات أبرزها الملتقيات كمساعدين للنحاتين لهو أمر مهم يرتقي بقدراتهم ويدفعهم للأمام، وأما أثناء الدراسة فالجدية سيدة الموقف وخاصة أن المعهد يتيح للطلاب دراسة تقنية للعديد من الخامات فيمكنهم منها إلى حد كبير ما يمنحهم الجرأة لسبر أغوار مختلف المواد التي يمكن أن تشكل مادة للعمل النحتي، والمعهد يستوعب سنوياً ما يقارب الثمانين طالباً وطالبة، أما مركز أحمد وليد عزت للفنون التطبيقية فيرى إقبالاً متزايداً من المنتسبين حيث وصل عدد الطلاب الكبار لهذا العام 220 طالباً والأطفال إلى 150 طفلاً وبعد أن يقدم الطالب مشروع تخرجه يحصل على وثيقة تخوله العمل باختصاصه كخبرة أو مساعد فنان أو حرفي محترف. وأما مركز أدهم اسماعيل للفنون التشكيلية والذي تأسس عام 1959 لهو جزء من سلسلة مراكز موزعة في بعض المدن السورية ويهدف لنشر الوعي الفني والثقافة الفنية ويقوم بإجراء دورات أساسية ويتعدى ذلك عبر اجتهاد اساتذته من خلال دورات متعددة ودورات خاصة بالأطفال واليافعين ودورات تقوية تؤهل للخضوع إلى فحص القبول في كل من كلية الفنون الجميلة وكلية الهندسة المعمارية وفي الصيف يتوجه المركز إلى الأطفال اليافعين عبر ورشات فنية وبرامج معينة في محاولة لخلق معايشة بين المجتمع والفن. |
|