تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


كبار السن خزان المستقبل.. جولة في عقولهم ومشاعرهم وخبرتهم

مجتمع
الأربعاء 11-11-2009م
صبا يوسف

تحسب سنوات العمر بمقياس الشعور والإحساس لا بعددها فبعض صغار السن يشعرون بأنهم كبار لأنهم توقفوا عن القدرة على العطاء والطموح وبعضهم قادر على العطاء وهم كبار بالسن ويشعرون بأنهم في أوج الشباب.

نعيش فكرة خاطئة بأن كبار السن لا مستقبل لهم ولا يحسبون حسابه وكل ما ينتظرهم نهاية لحياتهم معدودة السنوات مهما طالت، فهل حاول أحدنا الإقتراب منهم بشكل كاف ليراهم جيداً، بأنهم ما زالوا يفكرون بالمستقبل أكثر من الشباب وليس صحيحاً أنهم أنهوا مهماتهم بالحياة وانتهت طموحاتهم وهم ينتظرون الموت القاسي انتظاراً مترافقاً بأوجاع المرض، إن بعض الكبار ما زالوا قادرين على الحب أكثر من غيرهم وهم أكثر رهافة بأحاسيسهم للقضايا الحياتية المختلفة بل ما زالوا يمتلكون طموحاتهم وأحلامهم التي يخطىء الكثيرون عندما يرونهم قناة لنقلها للأبناء أو للغير فقط.‏

- ماذا يقول كبار السن عن حياتهم ومستقبلهم ومشاعرهم:‏

أهملتني وجرحت كرامتي‏

السيد عطا. ع /70 سنة/ يقول قررت الانفصال عن زوجتي لأنها ما عادت تحبني واكتشفت أنها كانت تعيش معي طمعاً بمالي الذي ما عدت أمتلكه إنها تسيء معاملتي وتقلل من احترامي وتهملني عمداً وأنا بسن السبعين رغم أن أولادي شقوا طريقهم بعيداً عني الآن خارج البلد وأعيش وحيداً بمنزلي أعاني المرض ولكن لن يجعلني مرضي أرضخ وأعود للعيش معها فهي أنانية والحياة معها مستحيلة بعد الآن..‏

بعد تقاعدي من عملي مازلت أتابع من الناحية العملية سير العمل عن بعد أحب أولادي وأريد أن أرضيهم بالعودة للعيش مع أمهم ولكن دون حب واحترام لا معنى للحياة أنا لاأفكر بالموت بل مازلت أحاول أن أحقق بعضاً مما فاتني في صخب الحياة فالهدوء يعطيني دافعاً أكثر لأكون إنساناً مستمر العطاء ربما أكون قد أخطأت بحق زوجتي يوماً وكنت أدفعها لتتغير نحو الأفضل ربما اعتقدت أنني بهذا الضغط واصراري على خلق أشياء لديها هو إساءه وتسلط مني هي كرهته.‏

انتقام الضعفاء‏

أما السيدة نهلة/63سنة/ تتحدث عن تجربتها مع زوجها لقد تركته لأنه أذلني دون أن يعلم عشت القهر وتنفيذ ما يريده دائماً فهو الرجل.‏

كان يعيش حياة صاخبة ويتركني لأربي الأولاد وحدي بكل ما تحمله تربيتهم من تفاصيل ومتاعب جرحني عمراً ولم أكن قادرة على الرد يغلق فمي بماله ولكني صحوت الان بقوة لأجد أنني قادرة على الرد على سنوات عمري الـ40 التي عشتها أعطي وأقهر وأمثل الحب ومضطرة للعطاء الدائم قمت بواجباتي وكبر الأولاد وأصبحوا ناجحين فما وجودي مع رجل أخدمه بمرضه وهو من تركني في شبابه أعاني الوحدة والمهانة.. هذا لا يعني أن الوضع الآن يرضيني فقد انتقمت لكرامتي الآن بينما كان يجب أن يحصل ذلك في وقته لكي لا يبدو انتقام الضعيف.‏

دار المسنين قد تكون الأفضل‏

السيد محمد.ط/75سنة/ يظن العجائز مثلي أن وجودهم في دور المسنين إهانة لهم وتخلي من الأبناء تجاههم ولكن أعتقد أن وضع أولئك أفضل حالاً منا فمن يعيشون بمنازلهم ويعانون الوحدة القاتلة دون اهتمام من ذويهم بمشاعرهم: أفتش بذاكرتي عن أحلامي التي ماتت دون أن أحققها وأخاف من المستقبل وأتمنى أن لا يطول عمري لأن الأبناء مهما كانوا كرماء هم أنانيون لا ينظرون إلينا إلا نظرة الاشفاق والواجب الصعب ويطلبون الموت السريع لنا بحجة أنهم لا يريدون لنا العذاب خصوصاً مع وجود المرض.‏

عمر المختار قدوة الجميع/ والزواج حق لكبار السن/‏

السيدة أميرة.ن /65سنة/ تقول: عندما قاد عمر المختار الثورة ضد الاستعمار الايطالي كان عمره 70 سنة وبالنسبة لي ما زال عندي قدرة على ممارسة عملي وتحقيق ما أرغب في تحقيقه وما زال عندي قدرة على تثبيت حق المرأة في الحياة الكريمة والشريفة فالمرأة في بلدنا تعاني عند فقدان الرجل/ الأرملة/ لأن مسؤولية الأسرة تقع على كاهلها كاملة وأنا ما زلت أشعر بالمسؤولية تجاه بناتي اللواتي مازلن بالمنزل دون زواج ولم يجدن عملاً رغم شهاداتهم الجامعية المرأة في حياتها اليومية والاجتماعية تحتاج لرجل ولا أجد ما يمنع زواج المرأة والرجل أيضاً في سن كبيرة.‏

أرفض انتظار الموت‏

السيد فهمي.ك /66سنة/ هل تسأليني عن المستقبل نعم هناك أيام عليٍ أن أحياها فهل انتظر الموت والمرض لا ما زلت أعمل في أبحاثي ومازلت في الصباح بنشاط الشباب لأخرج من المنزل رغم سني وتعبي لأزور الأصدقاء وأتواصل مع الأقارب ومع طلابي ولكن همومي كبيرة فقد قررت ابنتي أن لا تتزوج لتقهرني كما قالت لأنني لم أوافق على زواجها من شاب غير مناسب كانت تحبه فقط حتى انها تجلس في المنزل دون عمل شيء ولاأزال مطالباً بتقديم المال لها بعد وفاة والدتها يعتقد الناس أن من هو في سني لا يطلب شيئاً ولا يطمح لشيء في الحياة وأن مهمتي بالحياة انتهت وعلي أن انتظر الموت على كرسي متحرك أمام التلفاز ولكن للآن أفتقد الرفيقة التي ذهبت ولكن لا يمنع ذلك من احساسي بأن وجود أنثى معي نقتل الوحدة معاً هو أمر أتمناه.‏

رأي الباحثة التربوية والعلمية أميرة كيلاني‏

يجب أن يكون في مناهجنا توجيه تربوي نحو احترام كبار السن والاستفادة من خبراتهم ففي مدينة حماة بادرة توجهت نحو احترام كبار السن من خلال التحضير لاطلاقها مدينة عربية صديقة للمسنين و المدينة رقم/34/ على مستوى العالم في مجال رعاية المسنين رغم صدور القرار في الإدارات المركزية وهذا مهم ولكن أهمية ذلك يكمن في تعود الناس على احترام كبار السن كسلوك إيجابي وبدوري أتوجه للشباب تعود سلوكهم تجاه كبار السن بالدرجة الأولى وعلى الأهل وخاصة الأم فالمرأة في بلدنا عندما تدخل أمها المنزل تستقبلها بكثير من اللهفة والحب بينما لا تستقبل حماتها بنفس الحميمية لذلك على الأم أن تمارس العمل تجاه كل كبار السن لتكون قدوة للأبناء.‏

تأييد دور المسنين‏

تؤيد السيدة التربوية أميرة كيلاني وجود دور خاصة للمسنين بشرط توفر الخدمات لأن وجود كبير السن مع أقرانه يعطيه راحة نفسية لأنهم عاشوا الظروف الواحدة والفترة الزمنية نفسها واسترجاع الذكريات يشعرهم بالتقارب الانساني تجاه بعضهم ويخفف من مشكلاتهم .‏

الحب وكبار السن‏

تستشهد بقول رئيس وزراء ماليزيا السيد مهاتير محمد عندما قرر ترك العمل السياسي قائلاً/ الآن بدأت حياتي/ هل حياة الإنسان تبدأ بعد الستين ليست هذه قاعدة قناعة الإنسان بأن تبدأ حياته بعد عمر الستين ولكن لهذا المسن مواصفات أولاً تجارب الحياة الكبيرة والكثير ويكون على مستوى عال من الثقافة المتنوعة والرغبة بالمعرفة بكل أنواع الثقافات هذا من يشعر ببدء حياة جديدة بعمر الستين وهي أمتع حياة بالنسبة له تغنيها التجربة وجوابي على سؤالك عن الحب بهذا العمر إن الحب بكل أشكاله من صداقة وغيرها هو حقيقي والحب الحقيقي يبدأ بعد عمر الستين لأنه خال من المصالح بينما حب الشباب به حب مصلحة ما ولو كانت إنجاب الأطفال لاستمرارية وجودهم أو أي مصالح أخرى.‏

- أما الباحثة التربوية والمدرسة في كلية التربية براءة الخطيب تقول: من حق الإنسان أن يختار قضاء البقية الباقية من عمره بالطريقة التي تريحه لأنه في بداية حياته ربما تعرض لضغوط أو لم يستطع المواجهة وتغيير ظروفه.‏

إن كبير السن ما زال ممتلكاً لقواه العقلية والجسدية ومازال قادراً على معرفة نفسه وما يريد ومصلحته أكثر من غيره فإذا كان بحالة جسدية متدهورة فمن حقه الرعاية وتحديد المكان الذي يريد قضاء حياته به ربما يكون المكان دار المسنين لا مانع ولكن مع استمرار زيارة الأبناء له باستمرار إن وجدوا.‏

الوفاء لكبار السن‏

هناك كثير من كبار السن يعملون بمجالات فكرية وعلمية وفنية وغيرها علينا أن لا ننسى عطاءاتهم وما قدموه وأن نهتم بهم ونعطيهم فرصاً للعمل والاستفادة من خبراتهم في أي باب يمكن أن يطرقوه إذا وجدوا في أنفسهم القدرة. وكثير من الناس نظراتهم لكبار السن بها الكثير من التعالي والاستخفاف وينسون أنه سيأتي يوم ويكون هو مكان ذلك العجوز.‏

اهتمامنا بهم مظهر إنساني وحضاري‏

تؤكد السيدة براءة على فكرة الاهتمام بالأماكن العامة التي تضم كبار السن ودور الرعاية وأن تكون مهيئة بشكل جيد ومناسب لإنسانيتهم لكي لا يشعر الأبناء بالعار أن أهلهم بها ويستمرون بالزيارة ولراحة المقيمين أيضاً...‏

مع أن وجود الجد والجدة بالمنزل له ايجابياته خصوصاً بالنسبة للأحفاد ولكن أجد دور المسنين مناسبة عندما يكون العجوز وحيداً ولم يكن ظروف الأبناء تساعدهم للقضاء وحدته فالأبناء يحققون توازناً نفسياً كبيراً من جد وجدة ويكون المنزل أفضل بوجود الرعاية الأسرية أما في حال افتقادها فالأفضل له عوضاً عن البقاء بالمنزل شعور وبالوحدة والاكتئاب أن يتوجه للمؤسسات الخاصة وأؤكد على ضرورة وجود مؤسسات حكومية وأهلية تستقطب كبار السن من ذوي الخبرات وتشجعهم على استثمار ما لديهم من معرفة ومهارة للاستمرار في بناء المستقبل فالإنسان لا ينتهي دوره طالما حياته مستمرة فهو مشروع مستمر للحياة.‏

ونقول بدورنا أننا لن ننسى أولئك الأبناء الذين يعانون الأمرين من جراء وجود كبير السن المريض أو المقعد والذي تحول لطفل كبير حساس عليهم رعايته الصحية ومداراة مشاعره بدقة ما يسبب لهم ضغطاً كبيراً بالإضافة لضغوط الحياة الكثيرة فكم يحتاج ذلك الراعي للصبر والحكمة والجلد ليكون متوازناً وقادراً على رعاية نفسية وجسدية لكبير السن الذي يربطه به الاحساس بالواجب والحب والنظرة الثاقبة لحقيقة كونه طفلاً كبيراً ولكنه لا يعلم ولايعرف بطفولته التي عادت له بسنه الكبيرة هذه.‏

نذكر اليوم العالمي للمسنين يصادف الأول من تشرين الأول من كل عام وقد اعتمدته الأمم المتحدة خلال الاحتفال بالسنة الدولية لكبار السن عام1999م‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية