تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ليلى الناعطية علىطريق حلب

أبجــــد هـــوز
الأربعاء 11-11-2009م
خطيب بدلة

قال لي صديقي أبو الجود إنه شديد الإعجاب بالبخيلة الاسطورية ليلى الناعطية التي حكى عنها أستاذنا الأول أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ في كتابه العظيم (البخلاء) ومصدر هذا الاعجاب أنه ،

أعني أبا الجود، يمقت التقليد ، ويحب الابداع حتى ولو كان إبداعاً في مجال البخل والتقتير!‏

وأوضح قائلاً: تصور يارعاك الله ، كانت ليلى ترتدي قميصاً موغلاًً في القدم، وكانت كلما تخ القميص أو نسلت خيوطه ترقعه ، وما برحت ترقعه حتى تغيرت معالمه الأصلية ، وانتقل المكان المعتاد لجيب القميص إلى مكان أخر ، فما عادت تهتدي إليه ، وأصبحت لا تستطيع أن تخبئ في جيبها شيئاً، فإن فعلت فإن ذلك الشيء يهبط في الفراغ ، وهي من شدة خوفها تتلقف الشيء الهابط كما يتلقف الجائع الرغيف التنوري الملطع بحبة البركة، ولولا شدة حرصها على أشيائها لأضاعت الكثير منها في فراغات القميص!‏

ولعلمك فإن البخلاء عامة، ليلى الناعطية خاصة ، يضنون بما يملكون من أشياء مادية أو معنوية ، حتى أن البخيل المريض الذي تبلغ حرارته إحدى واربعين درجة وبضع شخطات ، لايحب أن يتخلى لأحد عن شخطة واحدة من حرارته حتى ولو مات من فرط الحرارة !!‏

ومع ذلك لم تبخل ليلى على الأجيال الراهنة اللاحقة من البخلاء بنصائحها، فخاطبتهم ناصحة ببيت من الشعر لا يوجد أروع منه إذ قالت:‏

ارقع قميصك مااهتديت لجيبه‏

فإذا أضلك جيبُ فاستبدل‏

وهي تستخدم(ما)‏

في الشطر الأول بمعنى (‏

طالما) ، وتعني أن على المرء أن يثابر على ترقيع قميصه طالما هو يعرف موقع الجيب منه، ولا بأس أن يستبدل به قميصاً آخر حينما يضيع مكان الجيب!‏

قلت لأبي الجود: حكايتك ياصديقي جد ممتعة وشيقة ، ولكنني لم أفهم المغزى منها.‏

قال: تذكرت قصة ليلى الناعطية مع قميصها وأنا ذاهب البارحة من سراقب إلى حلب، فمع أن هذا الطريق يعتبر- من الناحية المنطقية - طريقاً دولياً ذا أهمية كبرى، إلا أنه شديد الشبه بقميص ليلى الناعطية، فما عاد السائر عليه يعرف أي منطقة فيه هي من أصل الطريق ، وأيها تنتمي إلى جنس الرقع، وأكثر شيء يلتبس على من يسير عليه هو التالي:‏

ياترى الأصل في هذا الطريق هو الاستقامة والسوية الواحدة، أم هي الحفر العميقة؟ وهل هو مخصص لسير السيارات عليه ، أم أنه مصمم لكي ترقص السيارات عليه، وتجرب عليه ألعاب السيرك البهلوانية؟!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية