تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ليبيا .... أمن مفقود وأزمة مفتوحة

شؤون سياسية
الأثنين 30-1-2012
حكمت العلي

قد لا تكون تصريحات رئيس مايسمى باللجنة الوطنية للمصالحة الليبية حول استفحال الفوضى وانتشار( أسلحة بين المواطنين الليبيين تكفي لثلاث دول افريقية )

بعيدة عن الواقع الليبي الحالي بل أن هذه التصريحات تمثل توصيفاً دقيقاً لحقيقة الأوضاع السائدة في ليبيا وعدم امتثال الميليشيات المسلحة والمرتزقة لسلطة الحكومة أو أي قانون أو شريعة سوى سلطة التناحر والسعي على بسط كل منها الهيمنة على المناطق الموجودة فيها ناشرةً الرعب والنهب وكل أشكال الفوضى والخروج عن القانون وانتهاك حرمات الشعب الليبي .‏

هذا التلهي عن كبح جماح المسلحين وتزايد الصراعات بينهم والتي كان آخرها في مدن بني وليد ومصراتة وغريان، دفعت بالشعب الليبي للاحتجاج على هذا الواقع بعد أن أهمله الحكام الجدد المشغولون في تقاسم الحصص ومناطق النفوذ والفتن الداخلية ومحاولة إرضاء عملائهم الغربيين والخليجيين حيث أدت الاحتجاجات في مدينة بنغازي لوحدها إلى دفع ( أعضاء في المجلس الانتقالي ) للرحيل عنها والتحصن في طرابلس هرباً من أولئك الذين أملهم بالعطايا والمزايا وتحسين واقع حالهم للاشتراك في العمليات المسلحة ضد النظام السابق كما أجبر هذا الواقع نائب رئيس المجلس عبد الحفيظ غوقة إلى تقديم استقالته من منصبه بعد اقتحام محتجين لمركز المجلس في بنغازي احتجاجاً على واقع الفساد والمحسوبية وإهمال الشؤون الحياتية للشعب الليبي الذي أصابته خيبة الأمل من الوعود التي أطلقها ( مفجرو الثورة )وخدعوه في سبيل تحقيق مآربهم ومصالحهم . هذا الواقع أيضاً دفع بمصطفى عبد الجليل (رئيس المجلس الانتقالي) للقول بأن ليبيا تتجه إلى (حفرة بلا قرار) لتتأكد بذلك المخاوف والشكوك من النتيجة التي وصل اليها الشعب الليبي بفعل حكامه الجدد والدول التي قامت بتدميره من فوضى واقتتال وفقدان الأمن وضياع مقدراته وبخاصة النفطية وذهابها إلى جيوب السماسرة الخليجيين والدول التي حضرت وسعت لتدمير ليبيا وقامت به .‏

وفي ضوء هذا المشهد السياسي والأمني المعقد والمتجه نحو المزيد من التعقيد جاء تقرير لبعثة كلفتها الأمم المتحدة للوقوف على التداعيات الأمنية في منطقة الساحل والصحراء لتحذر من تصاعد العنف وتصديره إلى دول أخرى وبخاصة المجاورة واستفحال ظاهرة تهريب الأسلحة والمرتزقة لافتعال الأزمات في دول أخرى حسب أجندات مشبوهة 0حيث رأى مراقبون للساحة الليبية بان حكامها الجدد ملزمون بدفع ضريبة كبيرة للدول التي ساعدتهم للإطاحة بنظام القذافي من ضمنها تنفيذ أجندات هذه الدول المشبوهة في دول أخرى ولذلك فأن الإبقاء على حال الاقتتال المسلح بين الليبيين مرشح للاستمرار والتصاعد ، وهو الامر الذي يتناغم مع أجندات الدول التي قامت بتدمير ليبيا وبناها التحتية لأن هذه القوى لايهمها بأي حال من الأحوال ماستؤول اليه حالة الشعب الليبي بقدر ما يعنيها سرقة مقدراته ونفطه .‏

ولذلك فإن الأوضاع الحالية في ليبيا كانت متوقعة وهي ليست بالغريبة وغير المعروفة بل هي نتيجة منطقية لما حدث من تدخل غربي مولته أموال عربية مشبوهة الأدوار والغايات .‏

ولعل تسابق العواصم الغربية على احتساب خسائرها من هذا الغزو الذي لم يكلفها احد به بل هي التي اختلقته يدل على أن ما يعنيها هو بالدرجة الأولى الغنائم التي ستعود على خزائن هذه الدول التي يعاني قسم كبير منها من أزمات مالية حادة.فاحتساب الفائدة كان هو الدافع وراء إلقاء كل قنبلةاو صاروخ أو استهلاك أي ليتر من الوقود ، ولو أن هذه الدول تعرف أن كل دولار ستنفقه لا يعود إليها بأضعاف مضاعفة وعلى مدى عقود قادمة لما كانت منذ البداية قد أعطت أمراً بإقلاع طائرة واحدة لتقصف الشعب الليبي وتدمر بناه التحتية .‏

الشعب الليبي ضمن هذه المعادلة هو التائه والمغلوب على أمره وهو الآن يكافح لاسترجاع أمنه المفقود والحصول على خدماته الأساسية . مفارقة كبيرة يعيشها الليبيون في واقعهم الجديد وهي أن الدول التي دمرته تسارعلعقد (بازارات ) ما أسمته جهود الإعمار من خلال عقد المؤتمرات وذلك ما يوجب دفع تكلفة إضافية عليها أيضاً تتسابق الدول أيضاً للحصول على اكبر غنائم لها وجني الاستثمارات لشركاتها المختلفة خاصة وان الخراب قد طال كل شيء تقريباً ماعدا المنشآت النفطية التي حافظوا عليها دون ضرر !‏

ما يجمع عليه المراقبون بأن التحديات المقبلة كبيرة جدا ، ولكن ماهو أكبر هو معاناة الشعب الليبي الذي سيظل جرحه نازفاً لأمد طويل والأنكى من ذلك بأن الذي سيقوم بتضميده سوف يضغط على هذا الجرح حتى الحصول على أكبر المكاسب والغنائم من جيوب الليبيين وعلى حساب أطفالهم ومستقبلهم .‏

فمن الواضح أن المدنيين الليبيين الذين ذهب بين صفوفهم آلاف القتلى وعشرات آلاف الجرحى هم الذين دفعوا ضريبة التدمير كاملة ، وهم الآن مستمرون في دفع هذه الضريبة من خلال تأجيج الاقتتال والصراع بينهم من خلال العصابات المسلحة وفقدان الأمان وما كشفته منظمة العفو الدولية عن وجود آلاف المعتقلين في سجون الحكام الجدد يخضعون لأقسى أنواع التعذيب وهم الذين ادعوا بأنهم جاؤوا ليطبقوا شريعة أسيادهم الغربيين المزعومة في الديمقراطية والمساواة والتي ما هي سوى أوهام زائفة فما يهم واشنطن وحلفاؤها أولاً وقبل كل شيء المزيد من مآسي الشعوب التي تدر عليهم الأموال إلى جيوب ( القادة المستثمرين) الذين جعلوا من غزو الشعوب الأخرى تحت مسميات مختلفة واحتلالها ، مصدراً للاستثمارات السوداء وجعلوا من دماء الشعوب وسيلة لزيادة رفاهيتهم المبنية على أكتاف الآخرين.‏

وبالمحصلة فإن الأوضاع المستقبلية في ليبيا محكومة بما يريده الغربيون وأدواتهم من خليجيين ومرتزقة وما الحكام الجدد لليبيا إلا وسيلة طيعة بيد هذه القوى لتحقيق هذه الغايات على حساب الشعب الليبي ومستقبله!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية