تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أميركا وإسرائيل ..من يسّير من ..ولماذا؟!

شؤون سياسية
الأثنين 30-1-2012
بقلم:محمد خير الجمالي

أثناء زيارته الأخيرة لإسرائيل أوصى الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة قادة ومسؤولي الحكومة الإسرائيلية « بألا تفاجأ الولايات المتحدة بقيام إسرائيل بهجوم على المنشآت النووية الإيرانية»

إلا أن قادة الحكومة والجيش رفضوا التعهد أمامه بالتحذير قبيل الإقدام على مهاجمة إيران, ومع هذا شدد ديمبسي على اهتمام بلاده بأمن إسرائيل قائلاً « أشعر أنني جئت إلى هنا بتكليف من الله»‏

وبعد يومين فقط على عودة الجنرال الأمريكي بخفي حنين من إسرائيل, يقول الرئيس باراك أوباما في خطاب الاتحاد « إن التعاون العسكري بين أميركا وإسرائيل هو الأقوى وسنحافظ عليه»‏

هذا التناقض الفاضح في التنمر الإسرائيلي على الطلب الأمريكي , ومبادلته من الإدارة الأمريكية بالحفاظ على تعاون عسكري غير مبرر مع إسرائيل يطرح سؤالاً مهماً حول وضعية العلاقات الأميركية-الإسرائيليةوهو:كيف يمكن فهم علاقات التحالف الرابط بين الطرفين إذا كان الطرف الأحوج إليه (إسرائيل) يتجاسر على رفض طلب من الطرف الأكبر فيه بالتنسيق في أمر الهجوم على إيران, والذي لم تطلبه أميركا مرات عدة بدافع تفادي تداعياته الخطيرة على مصالحها فقط, بل أيضاً لتحصين إسرائيل نفسها من هذه التداعيات التي يجمع كل حكماء العالم على أنها ستكون كارثية على المنطقة والاقتصاد العالمي والسلم الدولي..؟‏

قد يكون أوباما أراد بحديثه عن قوة التعاون العسكري مع إسرائيل رسالة طمأنة لها يؤكد فيها التزام بلاده بأمنها وحمايته من أي (تهديد) مقابل حصوله على وعد منها بعدم اتخاذ قرار منفرد ضد إيران سيؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها على المنطقة والعالم وقبلهما إسرائيل بالذات, لكن الحقيقة التي يكشفها هذا الموقف غير المتناسب مع قوة الولايات المتحدة ومكانتها الدولية وطبيعة تعاملها مع الآخرين حين تختلف معهم بما فيهم الدول الكبرى, هو أن هذا الموقف الأميركي الذي يغلب عليه طابع الاستجداء والتوسل والاسترضاء لإسرائيل كي لا تحرج أميركا أو تهدر ماء وجهها, ينم عن أن العلاقات الأميركية- الإسرائيلية التي يفترض المنطق في مثل حالتها على إسرائيل الإصغاء للحليف الأكبر الذي لا يقارن بها بأي شكل ومن أية زاوية, خرجت عن هذا المنطق لتسجل خللاً فاضحاً في ميزانها ومسارها لمصلحة إسرائيل, وإلى الحد الذي باتت تستعصي فيه على رغبة أميركا بتنسيق السياسات الاستراتيجية معها, وبدت إسرائيل فيها كأنها هي الدولة الكبرى, وبدت أميركا رغم قوتها العظمى وحاجة حليفتها الصغرى إليها في كل شيء من السلاح إلى المال فالحماية الدائمة هي التي تؤمر منها وما عليها سوى الطاعة والقبول, بدليل تصعيد الضغوط على إيران استجابة لطلبات إسرائيلية لاتنتهي, و تكييف المواقف الأميركية من تسوية الصراع العربي-الإسرائيلي وفق المنظور الإسرائيلي الرافض للحقوق العربية والفلسطينية المشروعة.‏

و المفارقة التي نلحظها في مسار هذه العلاقة وطبيعتها هي أنها أشبه ما تكون بعلاقة بين طرفين,الأول يعطي كل ما لديه من قوة ونفوذ ومواقف (أميركا) والآخر يتلقى هذا العطاء دون مقابل(إسرائيل),فما السر الذي يجعل الولايات المتحدة تقبل بالخلل الحاصل في ميزان تحالفها وعلاقاتها مع إسرائيل إلى الحد الذي يمس بهيبتها ومكانتها..؟‏

ثمة من يعزو السر إلى حاجة أميركا إلى إسرائيل لحماية مصالحها في المنطقة على خلفية النظرية التقليدية القائمة على «اعتبارها الحليف الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه في الشرق الأوسط»وثمة من يعزوه إلى قوة اللوبي اليهودي المرتبط بإسرائيل ودوره النافذ في الانتخابات الأميركية وتسييرها بالاتجاه الذي يخدم مصالح إسرائيل على خلفية دعم وتفويز المرشح الأكثر دعماً لإسرائيل وقوتها وسياستها.‏

تثبت نتائج الصراع في المنطقة وتطوراته الميدانية والتحولات التي طرأت على موازين القوة فيه خلال العقد الأخير بأن إسرائيل لم تعد بالقوة التي يمكن للغرب الاعتماد عليها في الشرق الأوسط لتوالي هزائمها أمام المقاومة العربية وفقدانها قوة الردع كركيزة أساسية لدورها في خدمة مصالح الغرب وفشل كل استراتيجياتها لاستعادة هذه القوة سواء بالحرب أو بالمناورات أو بامتلاك أحدث الاسلحة, وإن كان ثمة دلالة لهذا الوضع فهي سقوط حاجة أميركا لإسرائيل كقوة حماية لمصالحها في الشرق الأوسط,وذلك كنتيجة لتحول إسرائيل بعد مواجهتها المكشوفة مع المقاومة إلى كيان محبط مهزوم ومثخن بالجراح تعمل أميركا نفسها كل ما بوسعها من أجل إنقاذها من وضعها المعنوي المتردي.‏

وعليه, فإن العامل المتبقي لجعل أميركا تقبل بعلاقة يختل ميزانها لمصلحة إسرائيل, وتخسر فيها الكثير من قوة سياساتها وسمعتها الدولية, هو سيطرة اللوبي اليهودي على مجريات الأمور في الولايات المتحدة وتحكمه بالسياسة الخارجية وقرار صانعها من الكونغرس إلى البنتاغون والخارجية فالبيت الأبيض.‏

وإذا كانت بعض الأمثلة على هذا العامل تبرز في الدعم الهائل الذي يعد فيه كل مرشح رئاسي أميركي إسرائيل لكسب اللوبي اليهودي في جانبه,فالمثال الأخطر على دور اللوبي في إخضاع القادة الأميركيين وابتزازهم ووضعهم تحت الضغط الدائم على خلفيات اتهامهم بالتقصير في دعم إسرائيل, أو الزعم بأنهم يعملون ضدها, هو دعوة الصهيوني أندرو أدلر صاحب ومحرر صحيفة اتلانتا جويش تايمز « لنتنياهو كي يصدر أوامره لعملاء الموساد في الولايات المتحدة ليقتلوا الرئيس أوباما بدعوى أنه رئيس غير صديق لإسرائيل, حتى يفسح المجال أمام نائبه لتولي مهام الرئاسة.‏

ولنا أن نلحظ بهذه الدعوة سعة تأثير اللوبي في اتجاهات العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية وتحكمه بالقرار الأمريكي وصانعه وآلية صنعه,و توظيفه في خدمة المصالح الإسرائيلية على حساب المصالح الأمريكية, ليس من خلال وسائل الضغط والابتزازفقط,وإنما أيضا من التهديد بالقتل ليكون المرشح على أي مستوى انتخابي رئاسي أو دونه في خدمة إسرائيل وسياساتها أكثر من خدمة بلاده.‏

وإذا كان لا بد من تحديد طرف مسؤول عن ترك هذه العلاقات تستقرعلى مسارها الخاطئ المسيء جداً لسمعة أميركا وعلاقاتها مع العرب ودورها في المنطقة,فهو النخب السياسية الأمريكية التي تعرف العلة ومكمنها ,لكنها لا تتجرأ على معالجتها, لأسباب أقلها خوفها من مواجهة اللوبي وانتقامه منها, واستبدال المواجهةبربط مصالحها الضيقة به..!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية