|
ثقافة بتتبع تفاصيل الإنسان العربي بأفراحه وأحزانه، بانتصاره أو انهزامه, فكلما خرج ذلك الكاتب بقصة أو رواية أحدث ضجة في الأوساط الأدبية الثقافية...
بدأ حيدر حيدر إصداراته الإبداعية بالمجموعة القصصية «حكايا النورس المهاجر» سنة 1968 ورواية «الفهد» في نفس السنة ثم كانت رواية «الزمن الموحش» سنة 1973 ورواية « مرايا النار» 1992 ورواية «شموس الغجر» سنة 1997 «ورواية « مراثي الأيام» سنة 2001 ولكن روايته الأشهر تبقى» وليمة لأعشاب البحر» التي صدرت سنة 1983 وطبعت أكثر من عشر طبعات وحين صدورها فجرت الأسئلة وتركت لغطاً كبيراً في الساحة الثقافية. تحدث عن تجربة عراقية بحتة وهو السوري.. تجرأ في الحديث عن أغوار ومستنقعات ومشكلات جنوب العراق كما لم يجرؤ كاتب عراقي على ذلك.. كما تحدث عن الجزائر كأنه جزائري.. وهنا يكمن الإبداع الإنساني. يقول الروائي حيدر حيدر في إحدى حواراته: أن الكتابة جاءت مصادفة وكانت نوعاً من التسلية في البداية، فقد كنت أشعر بجيشان وأحاسيس في أعماقي فأترجمها وأسجلها في شكل قصص قصيرة وأرسلها إلى مجلة الآداب وبعض الصحف والدوريات الأخرى. وأتذكر أنه لما كنت في المعهد التربوي بحلب نشرت قصة رومانسية اسمها «نورا» ووصلت القصة إلى أهل حبيبتي فمنعوها عني وكان هذا أول إحباط لي في عالم الأدب. وفي البداية كنت أهتم باستمرار بالقراءة وأشعر دائما أنه عندي نقص في المطالعة رغم أن حالة الفقر كانت تمنعني من شراء الكتب وبعد الزواج صارت زوجتي تقول لي لماذا تنفق الأموال في شراء الكتب عوضا عن شراء مستلزمات البيت فهل ستصير « همنغواي» عصرك؟ ويضيف أنا دائما أصرح بأنني لست محترفاً في الكتابة، ولا أكتب بشكل يومي ولا أتجه إلى الورقة إلا حينما يكون هناك شيء يتحرك في أعماقي وحافز، لذلك فإنني بحق أمارس الكتابة كهواية. وعندما سئل الروائي حيدر عن العنوان الفرعي لرواية «وليمة لأعشاب البحر» وهو «نشيد الموت» فقال:- « نشيد الموت» هو موت مقاتلي الأهوار الذين ماتوا جميعا خلال المعركة ولم يبق منهم سوى واحد أو اثنين مثل «مهيار الباهلي» لذلك فهذا النشيد هو تمجيد لثقافة المقاومة وتمجيد للموت بما هو كفاح ونضال بعد تأسيس « اتّحاد الكتّاب العرب « في دمشق في العام 1968، وكان أحد مؤسّسيه وعضوا في مكتبه التنفيذي، نشر حيدر حيدر مجموعة « الومض « في العام 1970 بين مجموعة من الكتب، كانت أولى إصدارات الاتّحاد, وفي الوقت ذاته عكف على كتابة رواية طويلة صدرت بعد خمس سنوات في العام 1973 عن دار العودة في بيروت، وهي « الزمن الموحش «. الرواية التي ترصد وتحلل التجربة الذاتية والموضوعية لما بعد هزيمة حزيران في 67 وماقبلها في العام 1970 غادر دمشق إلى الجزائر، أرض الشهداء والدماء المضيئة، البلاد التي كانت أمثولة للعرب والعالم وهي تشعّ بمجد الدم والاستشهاد عبر مقاومة الغزاة, الجزائر الخارجة من ليل استعمارها الطويل. في ثورة التعريب أو « الثورة الثقافية « كما يسمّيها الجزائريون, شارك حيدر حيدر مدرّساً في مدينة « عنّابة» في مدرسة « أبناء الشهداء « موزّعا بين إحساسه بجلال المسؤوليّة وقداسة العمل بين الطلاب الذين استشهد آباؤهم البواسل في حرب التحرير، وبين المكابدة والغربة الداخلية وشقاء الحنين، فيسجّل حيدر حيدر في يوميّاته: « خفقة القلب بنشوة السفر تشبه خفقته بوردة الحب وهي تتفتّح في أصقاع النفس، ثمّة روائح تنتشر وتعبق في صحارى الغربة. اهتزازات لامرئيّة تمسّ شغاف الروح، حالة انصهارية بالحياة والموت والأمل الآفل, حالة جليلة كجلال الموت تأتي بغتة فترميك بهدوء على سطح ما من أرض غريبة. تلك التجربة العاصفة، ستظهر في رواية « وليمة لأعشاب البحر» بعد أكثر من اثني عشر عاما. وفي العام 1974 يعود حيدر حيدر من الجزائر إلى دمشق، يستقيل من التعليم ويهاجر إلى لبنان، مأوى المثقفين والسياسيين والمنفيين العرب. في بيروت، عاصمة الثقافة وحريّة النشر، ليعمل في إحدى دور النشر مراجعا ومصحّحا لغويّا. تصدر له مجموعة «الفيضان» القصصيّة عن اتّحاد الكتّاب الفلسطينيين في العام 1975 من بغداد، وفي العام 1982 يعاد طبعها مع «التموّجات» في بيروت عن المؤسّسة العربية للدراسات والنشر. عايش حيدر حيدر الحرب الأهليّة اللبنانيّة، رابطا مصيره بمصير المقاومة الفلسطينية في إطار الإعلام الفلسطيني الموحّد واتّحاد الكتّاب الفلسطينيين في بيروت، شاهدا على خراب لبنان ودماره. كتب حيدر حيدر في كتابه «أوراق المنفى» وهي شهادات قاسية وجارحة عن زماننا العربي،قائلاً: إنّني كاتب اليأس والقسوة، والنهار المهزوم بالظلمة، والحزن والموت المخيّم فوق أرواحنا المستلبة والكئيبة،أسجل ذلك لأنني أنفر من الكذب والزيف والتبشير الخادع بالفرح والغبطة والسعادة المفقودة، لقد ولى الزمن الجميل وأقبل زمن العار، زمن التفكك وخراب الضمير الإنساني والانحطاط الهمجي. في النهاية: ما يمكن قوله هو أننا أمام كاتب وروائي سوري نفخر به وبأعماله الإبداعية التي سجلت ودوّنت لحظات حقيقية من تاريخنا العميق، فحيدر حيدر رجل عاش أياماً صعبة جداً من أجل قول كلمة الحق !!!. إنه بحق أحد أهم رواد الرواية العربية ومجدديها. |
|