|
الصفحة الأولى سؤال يطرح لأن المعطيات المتوفرة كلها تشير وبشكل قاطع إلى أن مجلس الامن لن يفوض اميركا بشن حرب على سورية كما فعل في افغانستان ، ولن يفوض احداً بالتدخل العسكري بأي شكل من الاشكال في سورية سواء في ذلك فرض الحظر الجوي على غرار ما فعل في العراق وليبيا اواقامة المناطق العازلة اوالممرات الانسانية الخ ... لأن روسيا وتدعمها الصين صرحت بوضوح أن الفيتو بالمرصاد لأي قرار دولي يعيد تجارب الماضي واخرها الليبية التي ادت الى تدمير البلاد ودخولها في نفق مجهول بعد مقتل اكثر من 130 الف بنار الاطلسي المباشرة او بوهجها إبان تدخلها لفرض الحظر الجوي الذي تخطى تفويض مجلس الامن وتحول الى هجوم جوي كاسح اقتلع نظامها . واميركا تعلم ان روسيا لا تناور في مواقفها هذه لأن المسألة السورية من منظار روسي لا تحتمل المناورة لتعلقها بالمصلحة الروسية المباشر وارتباطها العضوي بالامن القومي الروسي اي انها غير قابلة للمساومة وغير خاضعة لمنطق التبادل والصفقات . ومع هذا تصر اميركا على قرع باب مجلس الامن مستعملة ادوات عربية وغربية وممنية النفس بشيء ما ضد سورية. في العلوم الاستراتيجية هناك مبدأ متفق عليه ، يقول «على من يملك قوة اوفرصة ان لا يستنكف عن استعمالها من اجل تحقيق هدف يبتغيه » ، وفي التطبيق العملي ، يتجه اصحاب القدرات الى وضع االخطط والسعي لاستثمار قدراتهم ، وان فشلت خطة لهم يكون عليهم وضع الخطة البديلة طالما لم يفقدوا القدرات ، ويقودنا هذا عند اسقاطه على السلوك الاميركي تجاه سورية وملاحظة نتائج التدخل الغربي فيها بأن سورية التي صمدت طوال ما يقارب السنة وافشلت كل الخطط الهادفة لإسقاطها بدءا من «مقولة التظاهر السلمي» مرورا بمحاولة «شق الجيش» ومعها محاولات اقتطاع الارض واقامة المناطق الخارجة عن سلطة الدولة وصولا الى افشاء الارهاب على نطاق واسع وانتهاء بالافصاح عن تنظيم المعارضة المسلحة وتسليحها وتمويلها من الخارج . سورية بمواجهتها الصامدة افشلت الهجوم عليها خطة تلو خطة ولكن القوى المعتدية لم تتجرد من امكاناتها بل مازالت تمتلك الاعلام والمال والقدرة على التأثير الاقتصادي وتجنيد المرتزقة الارهابيين وزج كل ذلك في معركة الانتقام من سورية ، تفعل ذلك مع يقين بات لديها ، ان سورية شعبا ونظاماً وجيشاً اصبحت في منعة وحصانة تمنع اسقاطها وان النظام قرر استعادة امن المناطق التي تسبب الارهابيون في زعزعتها وبدء بالتنفيذ مستفيدا من الفرصة التاريخية التي جاءته من تقرير المراقبين العرب الذين شهدوا على ارهاب واجرام ضد الدولة والمواطنين السوريين ، كما اكدوا ان اعلام العدوان من فضائيات التحريض هو جزء اساسي من العدوان والتخريب في سورية. ان اميركا تدرك الان انها خسرت في الميدان السوري ، ولا يوجد بيدها شيء يغير النتائج عسكرياً او سياسياً ، لكنها تعرف ان الاستسلام للهزيمة لن يكون ممكنا في سنة حرجة لرئيسها وهو يستعد لخوض انتخابات التجديد له ، وانه – الاستسلام – سيكون كارثيا على نتائج حققتها في استيعابها للحراك ونتائجه في كل من تونس ومصر وليبيا ( حيث فتحت الطريق الى السلطة لمن ابرمت معهم اتفاقات الاعتراف باسرائيل وضمان امنها ووجودها ) ، وانه الاستسلام والاعتراف بالهزيمة سيكون فاجعة استراتيجية لأميركا على المسرح الدولي لانه سيعيد روسيا لتكون مع حلفائها نداً قويا للمنظومة الغربية بالقيادة الاميركية . نعم ان اميركا الان في مأزق لا تستطيع الخروج منه بالانتصار في سورية ، ولا يمكنها الانسحاب منه باعلان الفشل . لكل ذلك يبدو ان اميركا تبحث الان عن الحل الممكن الذي لا يعد هزيمة لها ، ويكون بتأجيل بت الملف الى فترة يعاد فيها خلط الاوراق وترجيح الامر لمصلحتها ، لهذا يبدو ان اميركا تتجه الان الى اعادة التجربة اللبنانية عندما اصدرت القرار 1559 ووضعت لبنان تحت وصاية دولية مع ناظر للقرار يبقي لبنان ملفا مطروحا بشكل دائم امام مجلس الامن يتيح لها التدخل اليومي تحت عنوان اكذوبة الشرعية الدولية ... اميركا تريد اذن قراراً يشبه القرار 1559 لفرض انتداب دولي ما على سورية ، يصادر حقها باختيار رئيسها ، ويصادر حقها بالعلاقات الدولية ، فضلا عن حقها بامتلاك القوة الدفاعية . وتمني اميركا النفس بالنجاح في هذا المسعى الذي تستطيع ان تروج له بانه انجاز يخرج سورية من محور المقاومة والممانعة ، كما اخرج لبنان من موقعه وعلاقاته مع سورية في العام 2005 وعكسها الى الجفاء ثم العداء . هذا ماتبقى بيد اميركا الان وتريد فعله فهل تستطيع تحقيقه؟. لقد نجحت اميركا في العام 2004 واصدرت القرار 1559 باكثرية 9 اصوات ( الحد الادنى المطلوب لاعتماد قرار في مجلس الامن ) في ظل بيئة استراتيجية دولية تناسبها ، وكانت يومها مزهوة باحتلالها للعراق ، وتفاخر بانها في الطريق الى السيطرة الكاملة على افغانستان كما بسطت سلطتها في الخليج ، ولم يكن في مواجهتها احد من الدول في مجلس الامن يجرؤ لاعتبارات ذاتية ودولية ، يجرؤ على معارضتها ، اما اليوم فكل شيء تغير ، وبات مجلس الامن محكوماً بتوازن يمنع اميركا من السيطرة على قراره ، ما يعني ان صدور القرار اقرب بات شبه مستحيل. ثم ان القرار 1559 ورغم صدوره ، فان اميركا لم تستطع ان تنفذ منه شيئا بمعنى التنفيذ الفعلي ، حيث بقي العماد لحود في رئاسة الجمهورية الى الدقيقة الاخيرة من ولايته ، وبقيت المقاومة المستهدفة بالقرار 1559 ولاتزال على سلاحها تراكم قوتها التي هزمت بها اسرائيل في العام 2006 وباتت تسخر من اصحاب هذا القرار ولا تعيرهم اهتماما بل تهزأ من تقارير ناظره الدورية ، اما خروج الجيش السوري من لبنان وهو البند الثالث في القرار فانه لم يحصل تنفيذاً للقرار بل كان نتيجة قرار استراتيجي كبير اتخذته القيادة السورية بعد متغيرات ضربت الساحة اللبنانية امنيا وجعلت الخروج العسكري السوري مصلحة لسورية ولأمنها الوطني . لكل هذا نرى ان اميركا التي احترفت القتل والارهاب ثم حصدت الفشل ، ستكون هذه المرة عاجزة في مجلس الامن ولن تنقذها ادوات جوفاء كجامعة المستعربين التي علقت مهمة المراقبين في سورية للضغط على روسيا وللحؤول دون الشهادة على ارهاب ما يسمى «المعارضة السورية « ، فالظروف تغيرت والعالم بات امام عهد جديد من العلاقات الدولية ليس لاميركا فيه حصرية القيادة والقوة ، وروسيا تعلم انها مستهدفة ايضا في سورية وعليها ان تدافع . ما يعني ان سورية لن تجد نفسها امام قرار 1559 جديد ، ولن تضطر الى بذل عناء في عدم الانصياع له كما فعل لبنان، فموازين القوى كفت سورية شر ذلك ، ويبقى امامها ان تجتث الشر الميداني بقمع الارهاب، وهذا ما يبدو انه في الطريق الى التحقق ، عندها لن تجد اميركا الا ان تسلم بالواقع ولن يجد عربها في جامعتهم ما يفعلوه بعد ان فرغت جعبتهم من السهم الاخير وسلموا الامر الى مجلس الامن الذي لن يلبي طموحاتهم . |
|