تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


قضايا .. ثقافتنـــا هــــل هـــــي مســـتحيلة الحـــــل..؟!

ثقافة
الأحد 7-2-2016
 أيدا المولي

جملة قد تكون صادمة لكل من يقول عن نفسه أنه مثقف وأن الثقافة هي ملعبه وذلك اعتمادا على مقولة تبدو كأنها قيلت لهذا الزمن للكاتب الطاهر وطار عندما قال: ان المثقفين فصيل يعيش على هامش مجتمعاته، وهذا ماجعل التيارات الدينية بـ «لاثقافتها» وشعاراتها، تستحوذ على الشارع والبوادي، ونصبح جميعا غرباء، مثقفين بالعربية أوالفرنسية، غرباء.

لم يكن يحتاج الطاهر وطار ليطرح فكرا إسلاميا أو فكرا مضادا للإسلام، لم يحتج ليقف مع فصيل ضد آخر، لكن احساس المبدع أخبره منذ تسعينات القرن الماضي أن التيارات الإسلامية غربت المثقف عن مجتمعه ولم تسحب البساط فقط من تحت قدميه بل سحبته مع الأرض التي كان يقف عليها بخفة.‏

ورشاقة الحاوي الذي يخرج من الورد أرانبا ويخرج من أكمامه حماما أبيض يستسلم لغرابتها الجمهور ويصفق اعجابا.‏

منذ نهاية القرن العشرين ومعظم المثقفين يسخرون من بعض احكام الفقهاء التي يقول بعضها: اذا طلق الممثل زوجته في الفيلم يكون قد طلقها بالفعل، وعلى طالبة الطب أن تطفئ النور وتشرح رجلا في الظلمة، الفتاوى كثيرة ومخجلة وغير مهذبة في معظم الأحيان لكن تلك الفتاوى ليست وليدة داعش انما ظهرت منذ أكثر من خمسة عشر عاما عندما حرم الفن واعتبر الفنانين زنادقة.‏

فقال المثقفون: ان تلك الأحكام وماشابهها جريمة الا قليلا وهو تعبير مهذب لقتل الحياة والابداع باسم الدين.‏

بعض الفنانين عبثوا بأطراف عباءة خدام الحرم فكان الاغتيال مصيرهم فتوقف الفن وصدرت مجلات ثقافية تدعو الى مناقشة قضايا الاختلاط والحجاب وغيرها بواسطة العقل مؤكدة أن مايتم الوصول اليه عن طريق العقل لايتناقض مع الفهم المتجدد للدين، وقد قبل القدماء نقاش الملحد والزنديق دون منع أو مقاضاة مما أسس لعلم الاختلاف والتعارض، مجلات لم تصمد كثيرا أمام عواصف كثيرة بدأت بإثارة الكثبان ثم تطورت دون رادع لتصل الى عاصفة ليس آخرها عاصفة الحزم.‏

الثقافة لم تستطع أن تقف صامدة في وجه التيارات الاسلامية التي غذت الطائفية وغيرت وجه البشر الذي حذر جبران خليل جبران من أمة كثرت فيها طوائفها وقل فيها الدين, ثم تبكي الشعوب على ماض استفحل فيه القتل بعد أن تعتقد كل طائفة أن الدين لها وحدها, وهي التي قاتلت من أجله مما دفع الحسن البصري مخاطبا في احدى مواعظه والناس تبكي قائلا: كلكم يبكي فمن سرق المصحف.‏

قبل الأزمة التي حلت بوطني كنت مع الرأي القائل لأحد كتاب اسبانيا أن العالم كانت تحكمه سيدة وخادمتان السيدة هي الثقافة وخادمتاها السياسة والاقتصاد، أما الآن لم أعد مؤمنة بهذا القول لأن مايتجلى اليوم في عالم السياسة كفيل بالقضاء على الثقافة واللعب بالاقتصاد كيفما شاء والثمن تدفعه الشعوب المغلوبة التي نادت بالثقافة عنوانا لحضارتها.‏

إلا أنه وفي لحظات الاحباط هذه تتوارد الأفكار وتأبى أن تستمع الى هذه اللغة لأنها فجأة تتذكر الاستعمار التركي الذي استمر أربعمئة عام وتستغرب: اربعمئة عام.. كيف تحكم شعوب أربعة قرون وتصمد لغتها ان لم نقل مقومات حضارتها ؟؟؟‏

وكنا بداية نحاربها بالمسرح بخيال الظل وكراكوز وعيواظ وتلعب السخرية دورها على أوتار المحتل الى أن تطورت وطرد التركي من بلادنا بالثورات وكنا نعرف أن المستعمر يعني حربا على جبهات قتال, أما هذه الحرب المبتدعة «بالناعمة» فقد ألغت الجبهات فكان كل زاروب جبهة وكل طفل محاصر درعا بشريا والشعار لافتة سوداء بسواد قلوبهم يرفعونها باسم من يشاؤون.‏

ثقافة الدم لاتقاوم بالحبر‏

غريبة مفارقات التاريخ‏

فاذا كان الفكر التركي الرجعي يحاول ابقاء بصمته فينا وابقاء تخلفه في ثقافتنا ولم يستطع، فهل ستكون هذه السنوات قادرة على فعل مالم تفعله تركيا ؟؟‏

الثقافة الآن ليست لاعبا حقيقيا في الساحة لأنه عندما تسود لغة الدم يصعب على الثقافة أن تكتب بالحبر وترسم باللون، لكن لابد من وجودها وتعبيرها لأنها تعلن بقاءنا وتتحدى همجيتهم.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية