|
شؤون سياسية بمعزل عن ربطها بهدف استراتيجي تسعى أميركا والغرب وإسرائيل إلى تحقيقه من ورائها ويتمحور حول تغيير أوضاع المنطقة بما يخدم مصالحهم, ووفق اتجاهات أساسية اهمها: 1-إشغال سورية بأزمة داخلية مستمرة تستنزف قوتها واقتصادها وجهدها في التصدي لتداعياتها وأخطارها على وحدتها الوطنية وسلمها الأهلي واستقرارها, وذلك بغية إنهاء دورها التاريخي المقاوم لمشاريع السيطرة الاستعمارية والغزو الصهيوني من خلال إلهائها بهذه الأزمة واضطرارها إلى تكثيف كل جهودها باتجاه تحصين وضعها الداخلي من استهدافاتها الرامية إلى تفتيت اللحمة الوطنية الرابطة بين جميع مكونات شعبها عبر التاريخ, والعمل على تقسيمها إن أمكن ذلك في مرحلة متقدمة من الأزمة, لئلا تبني نفسها من جديد وتعود إلى ممارسة دورها التاريخي. 2-خلخلة محور الممانعة من خلال محاولة ضرب سورية بوصفها حلقة الربط المركزية فيه والتي إن تم إسقاطها, يكون هذا المحور قد فقد النقطة الأهم في تماسكه ممثلة بسورية, وهو بالتحديد ما عبر عن رغبته بحدوثه وزير الحرب الإسرائيلي ايهود باراك بقوله قبل فترة وجيزة من أن إسقاط سورية يشكل ضربة لمحور المقاومة. 3-تمكين إسرائيل من استعادة دورها الوظيفي وقوة ردعها المفقودة كنتيجة تلقائية لإخراج سورية من موقعها وإضعاف محور الممانعة في حال حصولهما بالشكل الذي تنشده قوى التحالف الأميركي الغربي الإسرائيلي من الاشتغال على سياسة التأزيم الدائم للوضع في سورية, وهنا بيت القصيد في التركيز على منع سورية من تجاوز أزمتها. وهذا الهدف الاستراتيجي الخطير الذي يتم تسخير الأزمة السورية لبلوغه في المنطقة هو نفسه ما عبر عنه جيفري فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية الأميركية وروبرت فورد السفير الأميركي في دمشق عندما تحدثا في جلسة خاصة للكونغرس عن «منافع استراتيجية» تحملها الأزمة وتفاعلاتها للولايات المتحدة وبالطبع يستفيد منها الغرب وإسرائيل بحكم المصالح المشتركة مع أميركا. والشق الأخطر في سيناريو السعي لتغيير أوضاع المنطقة هو التدمير الممنهج لمؤسسات الدولة في سورية وتقويض اقتصادها الوطني كشرط لإدخالها في حالة من الشلل المعطل لدورها التاريخي كمحرك ورافعة للنضال العربي,ولموقعها كعقدة أمام مشاريع السيطرة الصهيو أميركية على المنطقة, تحتاج إلى عقود من الزمن وأموال هائلة للخروج منها واستعادة عافيتها وإعادة إعمار نفسها. وإذا كان ثمة من يعترض على هذه الرؤية للأزمة السورية وخلفية منعها عن أي حل ينقذ سورية من براثن استمرارها ويقول إن للأزمة أسباباً أخرى تتصل بمطالب الإصلاح والديمقراطية, نسأله: هل الطريق إلى هذه المطالب يتم بتدمير سورية الدولة والدور, ويأتي من إزاحتها عن موقعها التاريخي باعتراف مستغلي الأزمة لا نجاز هذه الأهداف, أم أن لهذا الطريق سكة واحدة واتجاها واحدا ًيكمنان في الدخول بحوار وطني شامل يفضي إلى مصالحة وطنية ترسى على مبدأين اثنين: حماية سورية مما يخطط لها من القوى التي تسعى إلى شطبها من الخارطة الجيوسياسية للمنطقة, والانتقال بها إلى دولة مدنية حديثة تمثل أنموذجاً للديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية والنمو المطرد لكل أشكال الحياة فيها. والخاسر الأكبر من ترك الأزمة السورية مفتوحة على الزمن يتلاعب الغرب بها ويستغلها لخدمة مصالحه سيكون حصراً سورية والعرب, سورية بما هي انموذج للتآلف والتواد بين جميع مكونات شعبها, والعرب الذين سيجدون أنفسهم فيما لو تمكن الغرب من سورية أمام تهديدات استراتيجية لأمنهم وكياناتهم السياسية ووحدتها وثرواتهم لم يألفوها من قبل ولا قبل لهم على مواجهتها, لأن سورية هي التي تحملت العبء الأكبر تاريخياً في صد الأطماع الخارجية وأخطارها, وأولها بالطبع الخطر الصهيوني الذي يحاول الظهور مجدداً على خلفية مسعى تغيير أوضاع المنطقة المشروط أولاً وأخيراً بإلغاء سورية الدور والموقع. ما الذي يعنيه كون الإبقاء على الازمة محتدمة وكون سورية والعرب هم المستهدفون من ورائها..؟ شيء واحد يعنيه وهو وجوب وعي التداعيات الخطيرة لاستمرار الأزمة والتأسيس عليه في وعي الضرورات الوطنية والقومية للخروج منها دون تأخير, خصوصاً بعدما تكشفت حقيقة أن الغرب يريد من استمرار الأزمة الدفع بالوضع السوري إلى حالة احتراب أهلي مدمر, والدفع بالوضع العربي إلى حالة انقسام حاد, لتشكل الحالتان معاً وسيلة تغيير الأوضاع الإقليمية. الضرورات الوطنية للخروج من الأزمة تكمن في: 1-تحصين سورية من العبث الغربي بعيشها الأهلي وتآلف مكونات شعبها ودورها التاريخي في مقارعة كل أشكال الاستعمار, وهذا لا يتحقق إلا بوعي شعبها لمخاطر استمرار الأزمة واستغلالها من قوى الغرب الداعمة لإسرائيل, وبتوافقه الوطني على الخروج من الأزمة بالسرعة القصوى وبحل توافقي يتحقق بالحواروالمصالحة والمضي في الاصلاح بكل مفاهيمه, لا بغيره من الوسائل المدمرة للوطن, وذلك لقطع دابر استغلال الغرب للأزمة وإتجاره السياسي بها. 2-استعادة الاستقرار في سورية وإعادة إعمار ما دمرته يد التخريب من مؤسسات الدولة فيها, وكذلك حماية الاقتصاد من سياسات التقويض, وذلك كشرط لعودة سورية إلى ممارسة دورها المفصلي في المنطقة. أما الضرورات القومية فهي أكثر من أن تحصى وإن كان الأهم فيها هو معرفة أن تداعيات الأزمة السورية واستمرارها لن تقف عند الحدود القطرية لسورية برغم أنها هدفها المباشر, بل ستتسع لترخي بظلالها على المستقبل العربي فيما لو تركت سورية نهباً لأزمتها وأريد لهذه الأزمة أن تستمر في السير نحو أهدافها باتجاه تغيير أوضاع المنطقة وموازين القوى فيها. والحقيقة كذلك لأن سورية بحكم دورها التاريخي وموقعها وحنق بقايا الاستعمار التقليدي وقواه الحديثة عليها بسبب تعطيلها لمشاريع غزو المنطقة وتقطيعها, وحدها القوة المحصّنة للوجود القومي من استهدافات هذه القوى, مما يجعل العرب معنيين بنفس درجة السوريين بالعمل على وقف الأزمة السورية والتصدي لسياسات إدامتها وإيجاد مخرج موضوعي لها بالتصالح والمصالحة والحوار الإصلاحي الديمقراطي, كضرورة قومية يمليها عليهم واجب حماية مصالحهم الكامنة حصراً في قوة سورية ووقف كل أشكال الاستغلال السياسي لأزمتها. |
|