|
شؤون سياسية إنها الحرب العالمية الثالثة ولكن بصيغ متضامنة أخرى أساسها استنفار قوى العالم الغربي المستعمر والمستبد تاريخياً واستحداث إطار عربي عبر دول الخليج بدور متضخم وبانكشاف فاقع الزوايا ونستدرك هنا ما قاله إلى عهد قريب هنري كيسنجر السياسي الأميركي المعروف وصاحب (الفضل) في اهتراء الواقع العربي عبر سياسته المعروفة خطوة خطوة. يقول كيسنجر في مقال له: إن تدمير سورية يتطلب حرباً عالمية ثالثة بالمعنى الكلاسيكي، وهذا غير متوفر الآن لذا لابد من تدمير سورية من الداخل بطريقة استنهاض المجموعات والتأكيد على التشكيلات الطائفية والاجتماعية وزج قوة الجوار العربي والتركي في هذا المشروع والذي سينتج مباشرة مجموعات لها أنياب وأظافر في الداخل السوري، يتوافق العالم الغربي والعربي على مدّ هذه المجموعات الداخلية بالمال والسلاح والتدريب والرعاية ووسائل الاتصال وهذا ما هو قائم الآن يكفي أن نتابع المجهودات العالمية المحمومة وهي تنقل نشاطها من مؤسسة دولية لأخرى بطريقة لا تهدأ فيها ولايصيبها أي كلل فالمهم هو الضغط على سورية من الخارج عربياً وعالمياً وتجويف سورية من الداخل بطريقة الاهتراء. وتبديد مصادر القوة في الداخل السوري، وتكشف الوقائع بعد تطهير بابا عمرو في حمص أن وسائل الاتصال الكوني عبر نظام الثريا على سبيل المثال يستوعب مئة واثنين وسبعين بوابة لاتصال العصابات في هذه المنطقة بالذات عبر الأقمار الصناعية، في حين أن كل الاتصالات السورية من خلال هذه الخدمة تمر فقط عبر بوابتين، ولنا الآن أن نتصور ضخامة الضخ والتغذية العالمية للمؤامرة مع استذكار الكلفة العالية لهذا النوع من التسليح والتي تصل إلى المليارات من الدولارات وإذا أضفنا إلى هذا المثل ما تم العثور عليه من مال غربي وإسرائيلي وعربي وصواريخ وأجهزة رصد وقاذفات إسرائيلية معروفة عالمياً مع وجود مادة الفوسفات الأبيض الذي كان على مشارف الاستخدام ضد السوريين لولا أن تداركنا الله برحمته وهيأ لقوات الجيش والأمن الخبرة والمعرفة والإرادة للسيطرة على وسائل التدمير هذه بأقل الخسائر بين المدنيين وبأداء نوعي هو الذي شكل عامل الحسم في تطهير بابا عمرو. ونستذكر ما يعنيه بابا عمرو فقد وردت جملة على لسان وليد جنبلاط وهو يهاجم سورية يقول فيها مؤكداً أن سقوط بابا عمرو سوف يعني مباشرة سقوط الثورة ضد سورية، وأظن أن الرجل صدق للمرة الأولى ولربما الأخيرة في حياته حينما أطلق هذا الربط وهذا الاستنتاج ويكفي أن نعلم بأن هناك أنفاقاً تمتد من عمق بابا عمرو إلى ما بعد الأوتستراد الدولي ولنا أن نتخيل كلفة حفرها وطريقة إنجازها وأسلوب استثمارها مع ما فيها من مشاف ميدانية ومستودعات للسلاح ومصانع للعبوات المتفجرة ومقرات للقيادة ومواقع تبادلية عند الخطر، نعود إلى أصل الفكرة المصطلح وهي أن حرباً كونية تجري على سورية ويراد لها أن تكون في سورية. ومن الضروري والبديهي أن تنشأ اتجاهات فكرية وسياسية لدراسة هذا المعنى في مراكز البحث والدراسة السورية وفي نقاط المسؤولية ومواقع القيادات المعنية، رغم أني أعرف أن هذا الطلب مرفوض سلفاً فالترهل الإعلامي والثقافي والفكري والاجتماعي صار ميزة يصعب الإطاحة بها في الداخل السوري، ومع هذا فإن المجهود العام في إدارة الأزمة هو في مستوى حي وفاعل وتتكامل في الطريق القاعدة القائلة بأن المواجهة الوطنية للحرب الكونية هي فرض عين وليس فرض كفاية يمارسها البعض لتسقط التكاليف عن الآخرين، ثم يفرض المصطلح الثاني حضوره في هذا الأفق هو استنتاجي وإشرافي لكن مقدماته وعناصر وجوده متوفرة في الصراع القائم لاسيما أن هذا الصراع يتميز بكونه صراع مواقف كبرى وإرادات وهو كفيل بإنتاج خلاصات تاريخية أساسها المصطلح القائل بأن العالم ما بعد الحدث السوري لن يكون كما كان قبل الحدث، ولسوف يتم التأريخ الزمني والوقائعي والحضاري بالحدث السوري مباشرة. ومن الواضح الآن أن حجم التكالب العالمي والعربي ونوعية هذا التكالب على سورية سوف ينتج تحولات نوعية مهمة يصبح النظام العالمي القائم على شرطي الهيمنة الأميركية والهوس الأوروبي الاستعماري في مهب الريح، إن ما يجري في سورية هو مقدمة كبرى واضحة الأبعاد والمعالم لصياغة نظام عالمي جديد سوف تفقد القوى المستبدة فيه أظافرها وأنيابها وسوف يتساقط فيمن حول هذه القوى نسق من الكيانات التي نمت خلسة عبر التطبيقات الاستعمارية ولاسيما في منطقة الخليج العربي حيث المشايخ المتصالحون صاروا دولاً ثم استخدمهم المستعمر الغربي كمخالب ومنصات لممارسة الإرهاب والتآمر وبث سموم الفتنة والحقد في نطاق مهمة رخيصة ضد الإسلام والعروبة والإنسانية تقودها مشيختان في مجلس التعاون هما آل ثاني في قطر وآل سعود في الحجاز وكلاهما من معدن واحد ولربما من أصول واحدة وكلاهما بوابة لؤم وبؤرة حقد على الإنسان ولا مجال لاستمرارهما إلاّ عبر الولوغ في المشروع الاستعماري القديم والجديد فهكذا كان جيل الآباء والأجداد في هذه المشيخات وهذا هو الدور المستمر للأبناء والأحفاد في هذه المشيخات مع تعديل بسيط هو أن الآباء الخونة كانوا يميزون بين الجمل والناقة وأما الأولاد فصاروا يتحدثون الانكليزية. |
|