|
مجتمع التسرب.. عودة لعتمة الجهل والتخلف نتحدث عن الهدر المدرسي ونعني به التسرب الذي يحصل في مسيرة الطفل الدراسية التي تتوقف في مرحلة معينة دون أن يستكمل دراسته.. لكن نفس الظاهرة يرد الحديث عنها في كتابات بعض التربويين بالفشل الدراسي الذي يرتبط لدى أغلبهم بالتعثر الدراسي الموازي إجرائياً للتأخر.. كما تتحدث مصادر أخرى عن التخلف واللاتكيف الدراسي وكثير من المفاهيم التي تعمل في سبيل جعل سوسيولوجيا التربية أداة لوضع الملمس على الأسباب الداخلية للمؤسسة التربوية من خلال إنتاجها اللامساواة.. إلا أننا بشكل عام نتحدث عن الهدر المدرسي باعتباره انقطاع التلاميذ عن الدراسة كلياً قبل إتمام المرحلة الدراسية أو ترك الدراسة قبل إنهاء مرحلة معينة .. والهدر المدرسي ظاهرة تؤرق المجتمعات العربية بشكل عام.. فهي تحمل كل مقومات الفشل سواء على المستوى الفردي أم على مستوى المجتمع وهي من العوامل القادرة على شل حركة المجتمع الطبيعية وتقهقره عائدة به إلى عتمة الجهل والتخلف والانعزالية بعيداً عن نور التطور ومواكبة لغة العصر في التقدم والانفتاح. والهدر بشكل عام معضلة تربوية كبرى لأنه يحول دون تطور أداء المنظومة التربوية وخصوصاً في العالم القروي ويحدث نزيفاً كبيراً في الموارد المالية والبشرية ويؤثر سلباً على مردوديتها الداخلية. أسباب الظاهرة تعتبر أسباب هذه الظاهرة معقدة ويصعب تحديد أسبابها بشكل مباشر.. وذلك لتداخل ما هو ذاتي أو شخصي بما هو اجتماعي ليضاف إليه ماهو اقتصادي دون اغفال ما للجانب التربوي من تأثير في هذه العملية.. يبقى الجانب الأسري من الأسباب الأكثر الحاحاً باعتبار الأسرة صمام الأمان لحياة الطفل بشكل عام.. فحياة الطفل تبقى مستقرة مادام الوضع العائلي كذلك وما إن يحصل أدنى توتر في العلاقة بين الآباء حتى تتحول حياة الأطفال إلى كابوس فالطلاق والخصام المستمر بين الأب والأم يخلق لدى الطفل حالة من الرغبة في إثارة اهتمام المحيط في أهميته داخل بنية الأسرة وقد يكون ذلك بمزيد من الشقاوة والجنوح والتهرب من المدرسة وواجباتها. الذي يؤدي بشكل آلي إلى التكرار المستمر وبالتالي الانقطاع عن المدرسة وسط غياب الاهتمام لدى الأسرة ومتابعتها لمسيرة الطفل الدراسية. انشغال الأسرة يؤدي لفشل العملية التربوية وفي نفس الاطار فإن انشغال الأب أو الأم أو هما معاً بمتاعبهما داخل العمل وقساوة العيش وصعوبة توفير متطلبات الحياة يؤدي بهما إلى عدم المتابعة اليومية لعمل الابن وعدم الحاحهما على بذل مجهود إضافي من أجل التقدم.. الأمر الذي يدفع الابن إلى الايمان بعدم جدوى العملية برمتها فيعلن هذا الابن تمرده على التعليم. التنشئة الخاطئة.. والعادات والتقاليد البالية الوسط الذي ينشأ فيه الطفل له هو الآخر تأثير على مستوى تحصيل الطفل وبالتالي استمراره أو توقفه عند مرحلة معينة من التدريس فالأسرة التي يكون أفرادها أميين لا يعيرون اهتماماً للعلم لا يتخرج منها في الغالب الأعم إلا أطفال يقنعون باليسير من العلم مادام مثلهم الأعلى هذه حالته.. ومن جانب آخر تلعب العادات والتقاليد دوراً مهماً حيث نجد عائلات في البيئة القروية لا تقبل على تعليم البنات وفي أحسن الأحوال فإنها تقبل على استكمالها مرحلة التعليم الابتدائي لتقف مسيرتها الدراسية عند هذا الحد مادام بيت زوج المستقبل هو مآلها. رفقاء السوء إن رفقة السوء من الممكن جداً أن تؤدي بدورها إلى الانقطاع عن الدراسة حيث يتأثر الطفل بأصدقائه غير الراغبين بالدراسة فيبدأ في التراخي في انجاز دروسه وتكاسله وربما غياباته المتكررة ما يؤدي بالمدرسة إلى اتخاذ قرار بفصله أو برسوبه.. وقد يحدث ذلك بشكل تلقائي وتزداد خطورة هذا العامل إذا أضيف إليه عامل آخر يتمثل في الفهم الخاطئ للأبوين لحب الابن فيبالغان في تدليله وتلبية كل رغباته دونما خضوعه لمحاسبة. صعوبة تأمين متطلبات الحياة الفقر الذي قيل عنه كاد أن يكون كفراً ويكون سبباً في انقطاع عن المدرسة حيث تعجز بعض الأسر عن تأمين متطلبات المدرسة من أدوات وملابس وقد يكون الأب في حاجة إلى من يساعده في تحمل أعباء ومتاعب الحياة فيزج بابنه في عالم العمل بدل البحث له عن مقعد داخل المدرسة.. وهناك أيضاً أسباب كثيرة مرتبطة بالمجتمع ومدى اهتمامه بالعلم وبشخصية التلميذ ذاته.. لكن ألا يحق لنا هنا أن نتساءل عن امكانية أن تكون المدرسة من العوامل المنفرة من العلم والدراسة وبالتالي قد تكون هي الأخرى سبباً من أسباب الهدر المدرسي؟! |
|