تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


(طبق الأصل)..حكاية (الأمس) أم حكاية (الآن)..؟!

ثقافة
الأربعاء 7-3-2012
لميس علي

هل كنّا أمام (متوالية) أحداث.. أزمنة ووقائع..؟

وهل يفترض ذلك أن ما نحن عليه اليوم ليس أكثر من محصّلة منطقية لمقدّمة تلك الأفعال التاريخية..؟‏

والتالي الوصول إلى بؤرة من الأحداث على شاكلة السالف منها.‏

بكثير من التواطؤ من حيل فن الخشبة، تمّت المزاوجة بين الحاصل ماضياً والحاصل حالياً.. بين (الأمس) و(الآن).. وبين كل تلك الأزمنة – الأمكنة.. كان سرد حكاية عرض (طبق الأصل) عن عدّة نصوص للكاتب سلطان القاسمي، دراماتورجيا: الدكتور رياض عصمت، إعداد: ماهر الخولي، والإخراج لهشام كفارنة.‏

فسيفساء من المواقف والأحداث.. جمعُها إلى بعضها يفضي إلى لوحة واحدة.. شاملة.‏

الغريب.. أن أي تفصيل أو جزء من أجزاء هذه اللوحة يبدو كما لو أنه رجع صدى لما يصطفّ إلى جانبه من أجزاء (أحداث).. يتشابه معها حدّ التطابق.. وإن اختلف زماناً ومكاناً.‏

وليبقى ذاك الخيط الرابط لكل الحكايا الجزئية المكوّنة لجسد الحكاية الرئيسية.. يتفرّع مكانياً.. ويطول زمانياً.. ممتداً ما بين القرن الحادي عشر إلى الثاني عشر فالثالث عشر.. وربما طالت جزئيات العمل أزماناً أخر..‏

والسؤال..‏

أليس ذاك الخيط موصولاً إلى (الآن)..؟‏

وكم تحمل (اللحظة الحالية) من أصداء الماضي..؟‏

(طبق الأصل) يقارب لحظات تاريخية عدّة.. ويقرّب بينها من حيث استعراض جملة الأسباب التي أدّت إلى تسليم غرناطة إلى الإسبان على يد (أبو عبد الله الصغير).. رجوعاً إلى لحظة سقوط بغداد بين يدي هولاكو.. والقدس بيد الصليبيين.‏

يصوّر أحوال الخلفاء والأمراء العرب.. اللاهين والمنصرفين عن صدّ خطر أعدائهم.‏

هل ما شهدناه كان درساً في التاريخ.. بانوراما لأهم مواقف الضعف والهزيمة.. والخيانة.. الطعن والتآمر.. التي يبدو أن صفحات تاريخنا تزدحم بها..؟‏

وإن لم يخلُ العمل من نبرة الوعظ.. المتمثلة بوجود الراوي (زيناتي قدسية) الذي جسّد (الضمير الصاحي) قبالة ضمائر ميّتة (بالجملة).. إن لم يخلُ (طبق الأصل) من هذه الغاية.. فيبرّر له.. لجهة توظيفها فهماً للحظة المعاشة حالياً.‏

أليست قراءة الماضي.. وفهمه.. خطوة أولى لفهم الحاضر وفك طلاسمه؟‏

وهل مشاهدة بؤرة الأحداث تلك، يهوّن تلقي هول اللحظة (الآنية)..؟‏

هل يُهوّن ويُعين في استيعاب خيانة وطعن (عربان).. ليس في بالهم أكثر من صون أموالهم.. ولتدفن الأوطان.. لطالما بقيت العروش في مأمن ولو إلى حين.‏

خشبة (طبق الأصل) اشتملت وجمعت في بداية العرض الشخصيات الأبرز.. بمعنى انقلبت الخشبة إلى خشبات عدّة.. لتتوالى بعد ذلك عملية (مفصلة) الحكايا. وما خفّف من سوداوية لحظات الهزائم التي امتلأ بها العرض كان عبر توليفة إخراجية اعتمدت توظيف عنصري (الغناء والرقص).. الأول منهما جاء داعماً للغة نطق بها الراوي..‏

فكانت المقاطع الغنائية التي أدّاها المطرب (حسان عمراني) بمشاركة (هيلانة الحلبي) أقرب إلى تكريس نوع من (التأمّل) لما نشاهد.. (فواصل) تُعيد ترسيخ لغة (الضمير) التي نطق بها الراوي.. دعمتها الموسيقا.. لاسيما طريقة (النقر) على الدفوف.‏

دون إغفال أن الأداء ابتعد عن حالة (النسخ).. فالشخصيات لم تظهر بلبوس (نمطي) إلا من حيث الشكل الخارجي (الأزياء).. ليتمّ اللعب على تقديم (كاركترات).. بعضها تميّز بأداء امتد لإعطاء انطباع ساخر (كما في إحدى الشخصيات التي قدّمها يوسف المقبل).. ولتكسر حالة النمطية تماماً بحضور شخصية (أبو عبد الله الصغير – قصي قدسية) الأمير الذي ينقر على (الدف).‏

العرض.. صورة (فوتوكوبي) عن أحداث (اليوم) لكن بلغة الماضي ورموزه.. وإن لم يكن يباشر إلا من خلال إسقاطات.. وإحالات.‏

هي (المنمنمات) المنثورة التي يفترض بالمتلقي أن يعيد لملمتها وصولاً إلى اكتمال الرؤية - المشهد المعروض أمامه.‏

ألا يشتمل تكرار (الثيمة) الجوهرية في لوحات العرض تلميحاً إلى أن مواقف وأفعال (عربان) اليوم.. ألعن من كل الحاصل ماضياً.. كنتيجة منطقية لتراكمات تلك الشرور المدفونة في غياهب الزمن السابق.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية