|
كتب
ثم إنه دعي فيما بعد عصر شكسبير: عبر قلم بيتر أكرويد نتعرف على تفاصيل طفولة شكسبير في ستراتفورد التي تقع على الضفة الشمالية لنهر أفون - وكان للنهر حضور مألوف أكثر من أي شيء آخر في ريف تكثر فيه الأشجار والبساتين والحدائق كان يسمع هديره في كل شارع وهو في حالة فيضان سواء في الصيف أم في الشتاء وما من كاتب مسرحي في عهد إليزابيث يستحضر النهر أكثر مما يستحضره شكسبير فمن أصل تسع وخمسين إشارة منفصلة هناك ست وعشرون تخص النهر وهو فائض كان النهر جزءاً من مخيلته. كانت ستراتفورد كثيرة المياه تجري في شوارعها جداول أو سواق عديدة، وتجاورها آبار وبحرات إضافة إلى مياه راكدة وبواليع فعلى بعد بابين من منزل شكسبير كان يقع دكان حداد يستفيد من مياه جدول يدعى (مير) لم يكن شكسبير بعيداً عن صوت المياه. ينتمي آل شكسبير إلى سلالة قديمة ويوجد ثمانون تهجئة مختلفة لاسم شكسبير ذاته منها ساكسبير، وشاكوسبر وساكسبر وشاسبير وربما تشهد هذه التهجئات على الطبيعة المتنوعة والمتعددة الأصوات لهويته المفترضة. والتنوع يوحي بالتكاثر والشمولية.. كتب تشارلز ديكنز ذات مرة: (ثمة حقيقة لاشك فيها وهي أن جميع المتميزين أمهاتهم متميزات) على هذا يمكننا أن نرى في سمات شكسبير الناضج ملامح عامة من ماري آرن كانت امرأة رائعة تستطيع أن تدعي ويقبل ادعاؤها بأنها سليلة عائلة تمتد إلى ما قبل الفتح النورماندي. إن إشارات شكسبير إلى أيام المدرسة ليست سعيدة تماماً، فالطالب الناحب الزاحف كالحلزون إلى المدرسة مكرهاً معروف كل المعرفة ولكن هناك إشارات أخرى إلى محنة الطالب المرغم على الانكباب على نصوصه.. وفي السنة الثانية المتحف فهم شكسبير الناشئ للنمو في مجموعة عبارات وامثال وملاحظات عادية مختارة بكل عناية بغية التهذيب والتعليم معاً وهذه كانت تحس بها الذاكرة أيضاً وربما يجدر بنا أن نذكر أن الولد كان يعلم باستمرار مهارة التذكر فهي ركيزة تعليمه. وبلا ريب ثبت أنها مثمرة في حياته اللاحقة كممثل كانت الأمثال المختصرة مفسرة في كتاب (أمثال الأطفال) الذي يشير إليه شكسبير أكثر من مئتي مرة وكانت هذه الأقوال الجافة تتحول أحياناً في كيمياء مخيلة شكسبير إلى أغرب الأشعار. وفي السنة الثالثة قرأ شكسبير حكايات إيسوب في ترجمة لاتينية بسيطة ولابد أنه حفظ عن ظهر قلب هذه الحكايات لأنه كان قادراً في وقت لاحق أن يعبد حكاية الغراب والريش المستعار وحكاية النملة والذبابة ويوجد ما مجموعه نحو ثلاث وعشرين إشارة إلى هذه الحكايات الكلاسيكية في مسرحياته وخلال هذا الوقت أصبح شكسبير قادراً على صياغة الانكليزية في اللاتينية وترجمة اللاتينية إلى الانكليزية وتعلم كيف يركم العبارة على العبارة ويستخدم الصورة ليزخرف جدالاً أو تشبيهاً ليشير إلى حكمة وأدخل تغييرات على الكلمات المختارة وتنويعات على المواضيع المنتقاة لقد تعلم من الغزارة والزخرفة والإسهاب من هؤلاء المعلمين الذين كان هدفهم نقل التعليم الكلاسيكي إلى العالم الحي. ولقد توج سعيهم بالنصر في شكسبير على الأقل. وفي غرفة الصف التي فوق قاعة النقابة درس شكسبير في الأعوام اللاحقة أعمال المؤرخين سالست وقيصر والفيلسوف سينيكا والشاعر جوفينال. وجد هاملت وهو يقرأ أهمية جوفينال العاشرة التي كانت نصاً نحوياً أساسياً وربما كان لشكسبير جولة سريعة على المؤلفين الاغريق على أن أي دليل على ذلك إنما هو هامشي في أحسن الأحوال ربما كانت المراحل الأخيرة من تعليم شكسبير هي المراحل التكوينية انتقل من النحو إلى فن الخطابة، وتعلم مهارات الإلقاء وما ندعوه كتابة مبدعة كان يدعى بلاغة في عهد إليزابيث أجبر شكسبير في غرفة الصف على تعلم القوانين والقواعد الأولية لهذا الموضوع الملغز قرأ شيئاً عن شيشرون وكونتيليان وتعلم أهمية الابتكار والتأليف والإلقاء والتذكر واللفظ الواضح أو الآداء والإلقاء وقد ظل يتذكر هذه المبادئ طيلة حياته عرف كيف يخلق تنويعات على الموضوع وكيف يستعمل جرس الكلمة ومعناها استعمالات مختلفة وعرف كيف يؤلف المواضيع ويكتب خطباً رسمية كما تعلم كيف يتحاشى المبالغة والبلاغة الزائفة اللتين أعطاهما للشخصيات الكوميدية في مسرحياته وهذا كله أصبح بالنسبة إلى الولد النبيه وسيلة مدهشة للتأليف ذاته وهكذا أصبحت البلاغة وأساليب البلاغة وصورة الابتكار. وكجزء من عمل الإبداع هذا تدرب على أن يقف مع طرفي النزاع فالعادة القديمة للفلاسفة والخطباء هو أن تنحاز إلى كلا الجانبين... وعلى هذا يمكن أن ينظر إلى أي حادثة من عدة منظورات مختلفة على الفنان أن ينظر في اتجاهين معاً مثل الإله جانوس وفي السياق أصبحت اللغة ذاتها شكلاً من أشكال التسابق والتنافس ولكن المهم بالمثل بالنسبة إلى شكسبير الناشئ هو أن أي وضع يصبح بالغ المرونة ومعتمداً بالكلية على فصاحة المتكلم، أي إعداد أفضل من هذا للكاتب المسرحي؟ وأي تدريب أفضل من هذا من أجل صياغة خطبة مارك أنطوني في (يوليوس قيصر) أو مرافعة بورشا في (تاجر البندقية)؟ في الفصل الواحد والتسعين من سيرة شكسبير بقلم بيتر أكرويد حيث يدون في هذا الفصل وفاة شكسبير نقرأ (مات كما عاش من غير ما يدل كثيراً على انتباه العالم عندما مات لم يشيعه إلا أسرته وأصدقاؤه المقربون ولم يشد الكتاب المسرحيون الآخرون بذكراه إلا إشادات قليلة، وقصائد المدح في طبعة سنة 1623 ضئيلة بالفعل لم تظهر الاهتمامات الأولى بالسيرة إلا بعد نصف قرن ولم يكلف نفسه أي باحث أو ناقد عناء دراسة شكسبير مع أي من أصدقائه أو معاصريه، وهذا قد يكون سهل ملاحظة أمرسون أن (شكسبير هو كاتب سيرة شكسبير الوحيد) إن حالته هي من تلك الحالات النادرة التي يكون فيها عمل الكاتب متفرد الأهمية والتأثير ومع ذلك لا تعتبر شخصية ذات أهمية على الاطلاق على أن استجلاء مدى تأثير شكسبير ليس بالأمر الصعب، فلقد ظهر أكثر من سبعين إصدار وطبعة لأعماله في أثناء حياته وفي 1660 لم يقل عدد مسرحياته المنشورة عن التسع عشرة وفي 1680 صدرت ثلاث طبعات من مسرحياته الكاملة وتشير التقارير المسرحية إلى أن فرقة الملك كانت تدعم نفسها في الأوقات العصيبة بإعادة تمثيل مسرحيات شكسبير القديمة وانجذب إلى محاكاته كتاب مسرحيون آخرون.. وكان لمسرحيتي (عطيل) و (روميو وجولييت) تأثير خاص في أوساط الكتاب المسرحيين الشباب واحتفظت شخصيتا هاملت وفولستاف بحياتهما وحضورهما المسرحيين خارج المسرحيات التي ظهرتا فيها بالأصل ويبدو أن شكسبير قد حافظ وحده تقريباً على مكانة تراجيديا الانتقام وقصة المغامرات. الكتاب مؤلف من تسعة أجزاء وواحد وتسعين فصلاً. - الكتاب: شكسبير السيرة. - المؤلف: بيتر أكرويد - ترجمة: عارف حديفة. - صادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب. - قطع كبير في 972 صفحة. |
|