تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أزمة سورية أم تركية؟

شؤون سياسية
الخميس 29-11-2012
 بقلم : عثمان العثمان *

تتطلب العملية الناجحة لمتابعة المتغيرات للأحداث التي تشهدها إحدى الساحات الإقليمية أو الأممية بهدف الخروج منها بأقل الخسائر الممكنة ، من أجل الانتصار للاستقرار وتعزيز السلام،

منطلقاً أساسياً لفهم المستجدات التي طرأت وارتبطت بالحدث وهو مايتحقق من خلال إطلاق المصطلح السياسي الصحيح الذي يعبر عن الحدث فمصطلح «الثورة» يختلف كلية عن مصطلح / الإرهاب / حيث الأول يقره القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، بينما الثاني يرفضه الميثاق الأممي بل ويدعو للتصدي له ومصطلح « الأزمة» يختلف كلية في طبيعته ودلالاته وأهدافه عن مصطلح /المؤامرة / ومصطلح الهجوم يختلف عن مصطلح الدفاع وهكذا دواليك وقد يقود الخطأ في إطلاق المصطلح الصحيح على الحدث الإقليمي إلى كوارث أو حروب مدمرة غير مبررة من ذلك ماحدث عشية الحرب الكونية الأولى من القرن الماضي وساعد في اشتعالها على خلفية اغتيال ولي عهد الإمبراطورية النمساوية الأمير فرنسيس فرديناند في سراييفو يوم 28 يونيو1914 على يد صربي متطرف فلقد اعتبرت الحكومة الألمانية عملية الاغتيال عملية حكومية لصربيا وحملت الحكومة المصربية كامل المسؤولية وأقدم إمبراطور ألما نيا على تقديم المساعدة العسكرية للنمسا رداً على العملية رافضا اعتذار الحكومة الصربية عن حادثة الاغتيال . وتاليا وجهت النمسا والمجر إنذاراً شديد اللهجة إلى صربيا تحملانها المسوؤلية عن عملية الاغتيال والتي هي عملية فردية لمجموعة صغيرة من المتطرفين الصرب . حيث تمسكت النمسا بمصطلح العدوان الحكومي الصربي عن ذلك الاغتيال ، فقد أعلنت النمسا بتاريخ28 يوليو بعد مرور شهر على عملية الاغتيال الحرب على صربيا مدعومة من ألمانيا ردت روسيا من جانبها وأعلنت بعد يومين 30/7/1914 التعبئة العامة . رد إمبراطور ألمانيا على الخطوة الروسية بخطوة مماثلة بإعلان التعبئة العامة يوم 1/8/1914 بعد يومين من إعلان التعبئة العامة في ألمانيا . في اليوم نفسه أعلنت فرنسا من جانبها التعبئة العامة! في اليوم التالي 2/8/1914 أعلنت بريطانيا التعبئة العامة أيضاً في ظل التفسيرات الخاطئة من قبل ألمانيا لحادثة اغتيال ولي عهد النمسا حيث اعتبر إمبراطور ألمانيا أن فرنسا تدعم الصرب ، تصاعدت ردود الفعل بين الدول الأوروبية الخمس وتفجرت الحرب الكونية الأولى في آب / أغسطس 1914.‏

واستطرادا ، فإن مصطلح « أزمة» المضلل لما يحدث داخل سورية منذ 19 شهرا مضت ، يختلف جذريا عن مصطلح «مؤامرة» كما أن مصطلح الأزمة يختلف عن مطصلح الحرب ومثله مصطلح « ثورة» الذي تردده العصابات المسلحة على أعمالها ، يختلف عن مصطلح الإرهاب الذي تمارسه تنظيمات وعناصر مرتزقة متعددة الجنسيات لقاء إغراءات مالية من حكومات معادية لسورية . بل إن مصطلح « الأزمة السورية» مصطلح خاطىء ومضلل في آن، فالأزمة حالة سياسية متوترة من طبيعة مؤقتة ، تحمل في طياتها إمكانية التحول إلى حالة الحرب بين أطرافها في حال استمرار تصعيدها وعدم تسويتها سلما. بينما ماتشهده سورية من أحداث دامية منذ (19) شهرا مضت ولاتزال، هي حرب دولية بامتياز بتخطيط إسرائيلي ولحساب أهداف استراتيجية معلنة من قبل إسرائيل نفسها على لسان قادتها، بتمويل ورعاية إعلامية من النظام القطري ، وبدعم عسكري وتسهيلات عسكرية ميدانية من الحكومة التركية التي يقودها حزب أردوغان. الأزمة تختلف في طبيعتها ومعطياتها ، وفي أسلوب إدارتها عن حالة الحرب والمعيار الموضوعي الوحيد للتفرقة بين الحالتين ، هو استعمال السلاح للحالة الثانية (الحرب) وعدم استعماله في الأولى (الأزمة) طبقاً لتعريف مجمع إدارة الأزمات الدولية فإن الأزمة تعبر عن موقف ناجم حدوث تغيير في البيئة الخارجية ( في حال كون الأطراف دولاً) أو في البيئة الداخلية ( في حال كون الأطراف وحدات أو جماعات داخل الدولة الواحدة) بحيث يتسم هذا التغيير في البيئة بثلاثة خصائص رئيسية في تصور قيادة صانع القرار السياسي ، وهي :‏

1-وجود تهديد جدي لقيم المجتمع آخد في الازدياد.‏

2- ظهور احتمال لنشوب الحرب بين الأطراف .‏

3- الإدراك بوجود وقت يسمح باحتواء التهديدات والمتغيرات الطارئة بشكل سلمي .‏

مايعني خطأ مصطلح « الأزمة السورية» المضلل الذي يردده الإعلام القطري والتركي بتوجيهات إسرائيلية فهو حرب دولية إسرائيلية فجرتها المؤامرة الإسرائيلية -القطرية بداية ، تنفذها عصابات المرتزقة من جنسيات متعددة من المرتزقة في داخل سورية لحساب إسرائيل لاحقا بدعم مالي من النظام القطري! وهي حرب يتصدى لها الشعب السوري بأغلبيته الساحقة بدعم فولاذي من جيشه الصامد المخلص الرافض للمؤامرة بداية وللحرب الدولية تاليا. وهي حرب تواجه ساعاتها الأخيرة اليوم بعد أن فشلت في تحقيق هدفها المعلن إسرائيليا وقطرياً وتركياً بإسقاط النظام القائم في دمشق ، بهدف تقسيم سورية خدمة للمشروع الإسرائيلي .‏

بدأت الأحداث في سورية بمخطط المؤامرة التي نفذها النظام القطري . وإذ شاركت أطراف إقليمية من بينها إسرائيل وفرنسا وبريطانيا والحكومات العربية التابعة للنظام القطري في دعم الجماعات السلفية التكفيرية في العمليات الإرهابية المسلحة ضد مؤسسات الدولة السورية وشعبها وجيشها ، فقد أصبحت الحالة السورية ضمن مفهوم الحرب الدولية هذا مااعترف بحقيقته بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة بعد جلسة مجلس الأمن الدولي الأخيرة ، التي استمع فيها المجلس إلى تقرير من مبعوثه الأخضر الإبراهيمي حيث أعلن « أن مايجري في سورية هو حرب دولية تنفذ بالوكالة من خلال دعم بعض الدول لهذا الطرف أو ذاك».‏

شهدت اليمن أزمة داخلية حادة قبل عامين، انتهت بتسوية تنحى فيها الرئيس علي عبد الله صالح لنائبه في تولي منصب الرئاسة ، وهي التسوية التي رعاها الملك السعودي كما شهدت مصر أزمة داخلية على خلفية الانتفاضة السلمية التي قامت بها الجماهير المصرية بقيادة طليعتها الديمقراطية لفترة شهر، دون إطلاق رصاصة واحدة على الجيش المصري أو قوات الشرطة انتهت بتنحي الرئيس المخلوع حسني مبارك عن الحكم بينما فجر النظام القطري مؤامراته من خلال العصابات متعددة الجنسيات غدرا بالشعب السوري وأمنه واقتصاده واستقراره بشكل مفاجىء ودون ادنى مبرر.‏

بينما لم تشهد أي مدينة سورية مظاهرات مؤيدة للعصابات المسلحة حتى يومنا هذا، بل حصل العكس تماماً حيث شهدت المدن السورية بما فيها العاصمة دمشق المسيرات المليونية المؤيدة للنظام. مايعني بكل وضوح عدم توافر الشرط الأساس لوجود الأزمة الداخلية السورية الأزمة القائمة فعلا هي تلك التي تتفاقم داخل الدولة التركية نفسها طرفاها المعارضة التركية وحكومة أردوغان هذا إلى جانب الأزمة المتممة لها مع سورية.‏

مايعني أن ماقامت به حكومة الإسلاميين الأتراك المتصهينين الجدد برئاسة رجب طيب أردوغان وحزبه ورطت تركيا في أزمتين متلازمتين أولها الأزمة الداخلية المتصاعدة والتي باتت تهدد بالإطاحة بما هو أكثر من الإطاحة السياسية بحكومة أردوغان ، والأزمة الثانية بين حكومة أردوغان والدولة العربية السورية .‏

بعد أن أقحمت حكومة أنقرة نفسها طرفا في دعم العصابات المسلحة وتقديم التسهيلات الميدانية لها استجابة لإملاءات إسرائيلية وإغراءات مالية قطرية ، باستخدام الجنوب التركي ممرا للعصابات الإرهابية لمهاجمة المؤسسات السورية ، فقد أصبحت الحكومة التركية طرفاً أساسياً في كل من الأزمتين، الداخلية التركية ، ومع سورية والمنطقة العربية والإقليمية ماأدى بالنتيجة إلى أن تحركت المعارضة التركية ترفض ماتقوم به حكومة أردوغان من دعم للعصابات المسلحة متعددة الجنسيات التي تقاتل الشعب السوري.‏

هكذا ، أصبح الوضع الداخلي التركي نفسه في حالة الأزمة إلى جانب أزمة حكومة أردوغان مع سورية والمنطقة الإقليمية برمتها.‏

 كاتب وباحث في القضايا الاستراتيجية وادارة الأزمات‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية