تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


التناص.. ســطوة المــوروث الأدبــي في الشـــكل والمضمـــون..وبريـــــق الماضـــي يســـــــطع في إبداعاتهـــــــــم..

ثقافـــــــة
الخميس 29-11-2012
 فاتن دعبول

لم يقف الباحثون عند تعريف محدد لمفهوم التناص , وخصوصاً أنه نظرية نشأت ما بعد الحداثة , ما دفع البعض لوصفه بأنه «حوار بين النصوص, وتداخل فيما بينها»

بينما اشترط آخرون «أن يلحظ القارئ علامات بين عمل وأعمال أخرى سبقته , أوجاءت بعده «كما جرى الحديث عن شكل من أشكال التناص يستحضر فيه الشاعر نصاً , أياكان مصدره , عن طريق الإشارة المركزة , بحيث تغدوهذه الإشارة بمثابة الاستحضار الكامل لتلك النصوص , من دون أن يكون هناك حضور لفظي كامل لها في النصوص الاحقة.‏

وقد اجتهد العديد من الباحثين في دراسةهذه النظرية , في ملف موسع حفلت به مجلة التراث العربي الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق بعددها 127 وسنتوقف في هذه العجالة عند أهم الآراء, التي توصلوا إليها.‏

ألف ليلة وليلة يهيمن على النص المعاصر‏

لا شك أن نص ألف ليلة وليلة ,استطاع أن يهيمن في الثقافة العربية والعالمية , ما أدى إلى نشوء مئات من النصوص في اللغة العربية وسواها , حتى كاد هذا النص يتخلى عن فرادنيته ليغدونصاً مُنْتجاً من مؤلفين عديد ين عبر الأزمان , وقد حرصت الأجناس الادبية المختلفة على التداخل مع نص ألف ليلة وليلة (الرواية , المسرح) حتى بات من الصعوبة أن يفلت قاص معاصر من سطوته...ما يشي بأن هذا الكتاب دائم التجدد , وهونص يحيا بالتناقص ويرفض أن يصبح نصاً ذاكراتياً , بل هونص دائم الإطلاق للدلالات ولا يمكن حسمه.‏

ويضيف د.الحسين: هومن النصوص التي تعيش حالة من الإنتاج الدائم , بدلاً من أن يكون من المنتجات التي يتم استهلاكها بسرعة , ورغم التداخل التناصي معه وهيمنته على النص المعاصر , لكنه أتاح فرصة هامة لإعادة قراءة النص القديم , ومحاولة التفلت من سلطته , وصنع سلطة موازية أنتجت نصوصاً لها خصوصيتها , واستطاعت النصوص التي تداخلت مع ألف ليلة وليلة أن تكون شاهداً على أن ثمة نصوصاً في تاريخ الفكر والأدب تتسم بالفحولة التي تجعلها عابرة للأزمنة , إذ تستطيع تلك النصوص أن تملك القدرة على مد الذاكرة البشرية بالغنى والتجدد..‏

للاقتباس جماله في شعر ابن الوردي‏

لا يجد ابن الوردي منقصه أوغضاضة في التصريح بما يضمّن شعره , بل هويدلل في ذلك على تفاعله واطلاعه على الموروث الثقافي العربي وانتمائه إليه حيث يقول:‏

وأنظم الشعر.. ولازم مذهبي‏

فاطّراح الرفد في الدنيا أقل‏

فهوعنوان على الفضل وما‏

أحسن الشعر إن لم يبتذل‏

في رد على الشاعر المتنبي الذي يفخر بأنه في شعره ومعانيه وألفاظه سابق هادٍ:‏

أنا السابق الهادي إلى ما‏

أقوله إذا القول قبل القائلين مقول‏

وقد حفل أدب ابن الوردي بالكثير من المفردات الدالة على التأثر , وضمن شعره أنصاف الأبيات أوأبيات كاملة، وقد لقي بعض تضمينه الاستحسان، كما اتهم بعضه بالسرقه والتطفل... وتراوحت اقتباساته بين التوفيق وعدمه إلى حد قريب أوبعيد.‏

مالك الريب وعبد المعين ملوحي في رثاء النفس‏

يعد عبد المعين الملوحي أحد الشعراء البارزين الذين رثوا أنفسهم في العصر الحديث، وقد اشتهرت معلقته التي تحمل عنوان «عبد المعين ملوحي يرثي نفسه » حيث أشار في مقدمته إلى تلاقيه وابن الريب في الأماني الخادعة التي أضلت كليهما، وما قبضا إلا على سراب خادع، فابن الريب تمنى أن يبيت ليلة بجنب الغضايزجي القلاص النواجيا:‏

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة‏

بجنب الغضا أزجي القلاص النواجيا‏

وتمنى الملوحي أن يبيت في حمص ليلة واحدة يسبح في عاصيها:‏

تنميت يا ابن الريب لوبت ليلة‏

بجنب الغضا تزجي القلاص النواجيا‏

وأمنيتي لوبت في حمص ليلة‏

فأسبح في العاصي وألقي لداتيا‏

ولقصص الأطفال محطة «أسامة بن منقذ»‏

شكلت حكايات القادة التاريخيين مادة خصبة للتوظيف في الأدب المعاصر لإبراز أثر هؤلاء من جهة، ولشحذ همم المعاصرين من جهة أخرى وفي التاريخ بطولات كثيرة تصلح مادة تقدم إلى الأطفال، منها يتجه إلى الأحداث التاريخية، ويعالج بعضها الآخر الشخصيات التاريخية « عنترة بن شداد، خالد بن الوليد، وأسامة بن منقذ..»وقد لفت د. سحر روحي الفيصل إلى أهمية قصة أسامة بن منقذ المليئة بالأحداث الملائمة للمتلقي الطفل...‏

التناص في شعر شرف الدين الأنصاري‏

ربما كان التناص السمة الأسلوبية الأبرز في شعر الأنصاري، فكان الشعر الجاهلي الأوفر حظاً ومن ثم الشعر العباسي فيما يتعلق بتضمين الموروث الشعري، أما في تناص الشخصيات، فكانت ممن تحمل في خصالها صفات « الكرم، الحلم، سداد الرأي، الفصاحة» من مثل شخصية الحجاج بن يوسف الثقفي..‏

أما اهتمام الشاعر بميزة الفصاحة فيعود إلى رغبته ردم الهوة وإلغاء فوارق الانتماء القومي والعرقي بين الشعب العربي وحكامه من جهة ورغبته بتقريب المسافة بين عروبة الشاعر وعجمه الحاكم....‏

فأكرم به دون المواطن مقصداً‏

وأسعد بنا دون البرية قصدا‏

أما اقتباس الأنصاري الأهم فقد اعتمد على نقل التجربة عبر حركتين ذاتية عبر إسقاطات حالة الآخر على النفس لتكون تعبيراً عن الحالة الانفعالية التي يعيشها الشاعر، وزمانية من خلال ربط كل من الزمن الماضي بالحاضر...‏

وفي شعر ابن الدمينة‏

وترى أن آليات التناص يمكن تصنيفها بالأنواع التالية «التلميح والتضمين» وقد وقف الشاعر ابن الدمينة في أغلب عمليات التناص التي أحدثها مع نصوص الآخرين، بحيث أخذ أحياناً لفظة أوتركيباً عادياً، يضعه في سياقه الصحيح، واحياناً كان يغير دلالة النص القديم، ويقلبها رأساً على عقب، مما يدل على قدراته الإبداعية..‏

فالتناص الإبداعي كالأوكسجين الذي لا يشم ولا يروي، ومع ذلك لا أحد من العقلاء ينكر بأن كل الأمكنة تحتويه...وإن انعدامه يعني الاختناق...‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية