|
آراء هل عشت وهم الثراء أو الحب أو القيادة أو ... لنصل إلى السؤال الأبرز: ما معنى وهم الحرية... كيف تعيش الحرية وتضعها قولاً وواقعاً، وكيف تكون أنت بقلب عاصفة الوهم. إنك صانعها وأنت في الواقع لست إلا قشة في عاصفة هوجاء تهب من جهات معروفة، غاياتها وأهدافها اقتلاعك من جذورك وبيديك تفعل ذلك، تشارك في إضرام أتونها وتحطيم ما بنيته أنت ومن معك من أبناء الوطن. تعيش وهم كل شيء لفترات من الزمن، وتشفى من أمراض وهم الثراء، أو الحب أو غيرها، ولكن ماذا إذا وقعت في الوهم الأكبر، وهم حرية أنت تراها كذلك، بل هم أرادوا لك أن تراها كذلك، تبحر في عاصفة الوهم تقويه بأسلوبك، بجنونك، بعصبيتك، وكل ما لديك من شوائب تظهر وتقوى وحين تستيقظ تجد أنك دمرت وطناً وشعباً وأمة وأنك أضرمت النار في بيتك، في حقلك ,قتلت أطفالك وإخوتك، وصرت وحشاً كاسراً والغاً في وهم أهلك، ثمة من يعمل لإخراجك من أتون الوهم لكنك غارق لا تسمع إلا صوت الآخر... هل هذا الوهم جاء من فراغ... كيف صنع وهم الحرية وكيف سوّق، واقتادوا القطيع إلى المذبح.. أسئلة كثيرة نجد جذور الإجابة عليها في دهاليز وكواليس العقل الأميركي، ثمة قراءة رائعة في أعماق هذا العقل قدمها شوقي جلال في كتابه: العقل الأميركي يفكر ( من الحرية الفردية إلى نسخ الكائنات). وأهم رموز وصناع هذا الوهم في عالم النفس الأميركي(سكينر) واسمه: بورهوس فريد ريك سكينر( ولد عام 1904) أستاذ جامعي في هارفارد، ومؤلف العديد من الكتب في علم النفس والتربية والفكر الفلسفي، ويقال عنه كما يشير جلال إنه أول عالم بزّ نجوم السينما شهرة، واقترن اسمه بمنهج تربية وتعليم الأطفال واستخدام ما عرف باسم( آلة التعليم) التي فتحت آفاقاً واسعة في النظام التعليمي، وهو أيضاً مؤلف رواية اجتماعية فلسفية حازت شهرة عالمية تحمل اسم(مالدن) إذ بيع منها فور صدورها أكثر من مليون نسخة بعد صدورها عام 1948. وأهم كتبه التي سعت إلى صناعة الوهم وتدجين الإنسان ليمشي كما تريد الولايات المتحدة الأميركية كتاب حمل عنوان:( ما وراء الحرية والكرامة) وقد ترجم إلى العربية تحت عنوان:(تكنولوجيا السلوك الإنساني) صدر عن سلسلة عالم المعرفة الكويتية عام 1980. وينطلق في نظريته من القول: الإنسان المستقل والحرية والكرامة أشباح لا مكان لها في علم السلوك، إنما الإنسان خزانة أو حاوية لأفعال منعكسة شرطية فرضتها عليه البيئة، ونخدع أنفسنا لو تصورنا أننا نتحكم في أفعالنا فالعلم ويعني به سكينر علم النفس السلوكي ينكر أن هناك كائناً يدعى الإنسان، وإن من العلماء من يرى أن الإنسان يتعرض لعملية الإلغاء، ولكن سكينر يضيف إلى هذا قوله: إن من يتعرض للإلغاء هو الإنسان المستقل... الإنسان الذي تدافع عنه آداب الحرية والكرامة، ثم يقول في حسرة: لقد تأخر إلغاء هذا الإنسان عن موعده طويلاً جداً، إن الإنسان آلة. نعم الإنسان آلة، وليست آلة لصنع الخير أبداً، هي آلة الشر والفتك، والإنسان إنسان، الأول آلة يقودها الثاني الذي هو أميركي يحرك الآلة حسب ما يخدم مصالحة وغاياته واستراتيجيته ويرسم مستقبل أميركا... كيف لا وأميركا هي أمة الرسالة حسب مؤسسيها، أمة القطيعة مع الماضي ومكلفة حسب الآباء المؤسسين وبأمر الرب، مكلفة بإعادة هداية البشرية وقيادتها وهي حقيقة تؤمن أنها( شعب الله المختار) لا اليهود، من هنا تأتي نظريات سكينر في تدجين البشر ودفعهم إلى وهم الحرية، هم أنهم يفعلون ما يريدون ويرى في هذا المعنى أن صناعة البشر حسب الطلب وهذه هي قضيته الأولى، وهدفه الأعز يقول: ما رأيك بتصميم الشخصيات أي وضع تصميم تصنع على غراره... هل يعنيك هذا الأمر... والتحكم في الأمزجة... أعطني المواصفات المطلوبة وسوف أعطيك الإنسان المطلوب.... وما رأيك في السيطرة على الحافز وغرس الاهتمامات التي تجعل الناس أكثر إنتاجية ونجاحاً هل يبدو هذا الأمر خيالياً... لكن بعض التقنيات متاحة ويمكن إعداد كثير غيرها تجريباً ... فكر في الإمكانيات ويقرر سكينر في نهاية الأمر أن أبناء مجتمعه الذي دجنه( أحرار) في أن يفعلوا ما يريدون طالما أنهم لا ينشدون سوى الأمور التي برمجها لهم زعماؤهم وأولو الأمر منهم وغرسوها في نفوسهم، وطبعاً يعني أنهم هنا ينفذون ما رسمته الاستراتيجيات الأميركية، وما صاغة العقل الأميركي. لن أسأل كيف استطاع العقل الأميركي اختراق مجتمعاتنا العربية وتدجين هذا القطيع الكبير، وجعله يغوص في وهم اسمه الحرية.... بل لنسأل: ماذا فعل الآلاف بل مئات الآلاف من حملة الدكتوراه في علم الاجتماع والفلسفة وغيرها؟ ماذا فعلوا لمواجهة هذا التدجين... ترى هل كانوا مدجنين وهم أول ضحاياه..؟ |
|