تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


قراءة في حدث .. الأهرامات أيضاً

آراء
الخميس 29-11-2012
 د. اسكندر لوقا

قبل بضع سنوات، شاهدنا مراحل تدمير عدد من الآثار القديمة في أفغانستان لأسباب تتعلق بالعقيدة التي يدين بها الذين وصلوا إلى سدة الحكم بعد زوال الاتحاد السوفييتي, ولم يكن متوقعاً في أي ظرف حدوث مثل هذا التصرف,

ما أثار تدخل منظمة اليونسكو والمنظمات الثقافية كافة في العالم للحيلولة دون حدوث، ما حدث إذ تمت عملية الهدم وإزالة معالم التماثيل في ساحات العاصمة وربما في باقي المدن أيضاًَ، وبذلك هدأت نفوس الغاضبين لا على التماثيل وحدها بل على مبدعيها بشكل أو بآخر.‏

ولا ندري إلى أي مدى تألم الأفغانيون أو أحسوا بالندم في تلك الحقبة، بعد أن خسرت بلادهم مردود أحد مرافق السياحة الموروثة منذ آلاف السنين، ولم تكن تشكل خطراً على حاضر ومستقبل أبنائهم.‏

ومنذ أيام قليلة، طار نبأ من أرض الكنانة يقول: إن ثمة دعوات جادة لهدم الأهرامات وإزالة معالمها من على الخريطة، ولم تكن هذه الدعوات مقرونة بمبررات موضوعية أو غير موضوعية، وبالتالي لم تتحرك المؤسسات الثقافية حيال الأمر، ما يثير في النفس هاجساً حقيقياً بأن هذه الأهرامات التي تعود إلى ما قبل الميلاد بآلاف السنين يمكن أن تلقى مصير تماثيل أفغانستان إن لم يكن في السنة الحالية ففي سنة قادمة بكل تأكيد، وتأكيدنا في هذا السياق يستند إلى تصرفات باتت مرئية أو متوقعة عاجلاً أم آجلاً.‏

وبطبيعة الحال فإن عملاً كهذا إذا ما تم على أرض الواقع فإن مصر ستخسر لا أحد معالمها السياحية الشهيرة فحسب، بل ستسخر جزءاً من تاريخ حضارتها الذي يعود إلى ما قبل زمن بناء تلك الأهرامات التي يرجع البعض منها إلى الأسرة الرابعة(2649-2513) قبل الميلاد، وهي خاصة بالعمال الذين بنوا الهرم الأكبر، فضلاً عن بنائهم أهرامات لها شهرتها أيضاً في هذا السياق، ومنها المقابر الخاصة بالملكين خوفو(2609-2584) قبل الميلاد، وخفرع(2576-2551) قبل الميلاد.‏

إن زوال أو إزالة أي حكم، بسبب أو لآخر، ومهما كان نوعه، لا بد أن تكون له تبعاته المعروفة أم المتوقعة على الأرض، وقد تحصل هذه التبعات إلى تصرفات تعرض الأشخاص أو مؤسسات إلى الأذى، بيد أن ما يحمل المرء على التساؤل: لماذا التعدي على التماثيل والأهرامات وسوى ذلك مما قد ينعكس إيجاباً على مسار الحكم الجديد وسمعته في حال وجودها كدليل ملموس على أن السلف لم يكونوا متخلفين حضارياً إن لم يكونوا أصحاب ثروات على الأقل؟‏

إن مصر، ليست دولة حديثة على غرار حتى بعض الدول الكبرى، حتى تتوجس من تداعيات المعالم السياحية على سمعتها مهما كانت الأيدي التي شاركت في إبداعها، إن التاريخ المعاصر يشجب مثل هذه الأفعال، وذلك على نحو شجب ما الأمر، الذي أصدره النازي أدولف هتلر، فتم إحراق لوحات الفنان العالمي الشهير بيكاسو إثر احتلال قواته باريس خلال الحرب العالمية الثانية لأنها لوحات شاذة ولا تمجد انتصاراته، فكان هذا الصنيع عنوان عار على تاريخه الشخصي، إضافة إلى اعتدائه على الممتلكات والأشخاص الذين ناصبوه العداء.‏

ترى هل نسمع قريباً نبأً آخر يدعو، إلى حماية تاريخ مصر العروبة، مصر الثقافة، كما كنا نعرفها؟‏

Iskandarlouka@yahoo.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية