تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


إنسية (ليالي شهرزاد)....حفريات الخيال الشعبي في الإبداع

ثقافة
الأثنين 14-3-2011م
ميرنا سعد اليوسف

للكتابة عنها سر مدفون في أعماق الروح، يحمل فيه المرء بهجة المقام وعبأه، ويلبس نفسه تاجاً من بهاء اللحظة، لكنه يمشي مسيراً إلى شوك استحقاقه،

إنها واحدة من أهم روائع الأدب الشعري الذي سحر الشرق والغرب، وقد جذبت اهتمام الأدباء والمفكرين الذين استوحوا منها إبداعاتهم الأدبية والفنية، وظلت تلهم الكتاب قصصاً ومسرحاً ورقصاً ولوحات وموسيقا على مدى ثلاثة القرون الماضية.‏

ونظراً لقيمتها المعرفية الأدبية والفنية فقد ترجمت من العربية إلى أكثر اللغات الحية، منذ أوائل القرن الثامن عشر، وتحديداً عام 1704م على يد أنتوان غالان.‏

ومنذ ذلك الحين راحت طبعاتها المختلفة إلى أوروبا وأميركا، وازدانت بصور فنية رائعة أبرزت ماتضمنته من مشاهد ساحرة، امتزجت فيها الحكمة بالجمال والحقيقة بالخيال.‏

تزداد أهمية حكايا ألف ليلة وليلة كلما تعقدت أوجه الحياة وسبلها وتنوعت وسائل الاتصال المرئية والمسموعة، وهي تبحث في خزائن الحكايا الشعبية وأشكالها ومادتها وفضاءاتها لتعيد إخراجها في هذا الثوب أو ذاك وقد أخذت الأوساط الأدبية في عالمنا المعاصر تعيد النظر في هذه الحكايا في ضوء تجدد الاهتمامات مرة بالرؤى ومرة أخرى بفضاءات الحكايات الشعبية وتوليداتها الدلالية.‏

سجلت حضوراً فريداً في استلهامات الأدب الحديث والمعاصر لها على صدر صفحات إبداعية متنوعة منها: (أحلام شهرزاد) ل طه حسين و(القصر المسحور) ل طه حسين وتوفيق الحكيم معاً و(حكايا تودد الجارية) لبدر الديب وهذا مايدل على الحاجة الملحة لاستحضارها من أجل الإجابة على الكثير من الانتظارات الأدبية والفنية الذي لاتزال فيه الأدوات المعرفية قاصرة في الوصول إلى مكتشفات الخيال الشعبي بجوانب كثيرة في فضاءات المعرفة الإبداعية.‏

وهذا ما يأتي بنا -دفعة واحدة- أمام أسئلة حائرة عن دور الخيال في الإبداع المعرفي عموماً وفي أسطورة ألف ليلة وليلة خصوصاً، هذا النص الذي يمثل في تميزه وفي عبقرية بنائه ونسيجه قمة من قمم الإبداع القصصي، لأن مايقدمه ليس فقط أحداثاً أو صوراً لأحداث مثيرة من صنع الخيال كما هو الحال مع أغلب إنتاج القصص، ولكنه يقدم حياة موازية للحياة التي نعرفها، إنه يقدم شكلاً منفرداً لعالم وحياة هما عالم ألف ليلة وليلة، وأمكنة و أزمنة لاتنتمي إلا لها الأمر الذي سهل انتقال الخيال من المستوى المعرفي إلى المستوى الابتسمولوجي بمعنى أن الخيال دخل في هذا النص إلى فضاءات المعرفة العلمية.‏

من هنا فإن عبقرية الخيال التي أنتجت ليالي شهرزاد قد حسمت الجدل الدائر آنذاك حول دور الخيال في الإبداع عموماً والإبداع المعرفي خصوصاً وتحول الخيال من فعالية أدبية إلى ملكة فكرية ذات قيمة عقلية رفيعة، بقدر ماتبقى قائمة بقدر ما يتغير الواقع، أي بمعنى آخر بقدر ماهي خيالاتنا التي كلما ذهبت أبعد كان الواقع واقعاً آخر.‏

إن الخيال في ليالي شهرزاد استحوذ على كل مفاصل النص ورموزه ودلالاته حتى على جزء كبير من معانيه، وفي هذا الاستحواذ تجلت عبقرية الخيال في بناء أبرز مقومات النص القصصي وهما عنصرا: التشويق والمتعة إذ كلما كان النص غزيراً بالخيال كان قريباً إلى استحواذ قلب القارئ، و الاكتمال الذي لايكون إلا بعنصري التشويق والمتعة، مهما اختلفت اللغة المكتوب بها كل نص، وما يدل على الاكتمال الآنف الذكر هو ما أكدته مقوله «فولتير» الشهيرة: (ليتني أُصاب بالنسيان كي أستمتع بقراءة الليالي في كل مرة بنفس اللذة).‏

ولم تقف عبقرية الخيال عند حدود أنسية الليالي» وإنما تجاوزتها لاستخلاص مجموعة من القيم النفسية والأخلاقية والإنسانية التي استلهمها الوعي الحديث والمعاصر، وأثرت تأثيراً مباشراً على بنية الوعي ذاته، فعلى الرغم مما اتسمت به الليالي بالمجون من خلال العبارات الحسية التي تبدو - في كثير من الأحيان- موضوعة لإثارة الحمية في أجساد من يسمعونها.‏

صحيح أن ماجاء من عبارات حسية عملت على إدخال «شهرزاد إلى قفص الاتهام لبعض الوقت، حيث إن الكثيرين قد تصوروها ألفاظاً مبتذلة!! لكن عبقرية الخيال التي أنتجت مزاح النص ساعدت من خلال المزاح والدعابة والضحك في تجويفها من معانيها الحسية، ما جعل القارئ يقرؤها بجانبها الساخر في المقام الأول.‏

وتأسيساً على ماتقدم فإن الخيال في أسطورة ألف ليلة وليلة استطاع تحويل الموقف الحسي المليء بالشهوة إلى موقف مليء بالسخرية والفكاهة والطرافة، ما جعل العبارات خالية تماماً من الحسية فمن المعروف أن المرء لايستثار حسياً مما يضحكه فبدت العبارات - بفعل الخيال- كأنها سخرية من الموقف وسلوك الأشخاص حتى في أكثر الحكايا إثارة وشهوانية وفقدت الكلمات البالغة الحسية كل مابها من إثارة وهي موضوعة في هذا الإطار.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية