|
شباب هذه حال بعض من شبابنا الحالي الذين تحولوا إلى كائنات ليلية مدمنة على السهر وتجد فيه متعتها وراحتها. هروب من المنزل تقول الطالبة أروى أسعد: لا أستطيع النوم قبل الساعة الثالثة صباحاً، مع أنني لست مضطرة للسهر، أدرس أو أتصفح النت، أو أفعل أي شيء، ولا أحاول النوم باكراً إلا إذا كان يوم الغد يوم دراسة طويل ومرهق، وفي هذه الحالة أنام في الحادية عشرة أو الثانية عشرة، ولكن النوم لا يأتي بسهولة، وبالطبع أصحو متعبة، وحالتي النفسية سيئة.
أما رأفت ابراهيم فيسهر خارج المنزل حتى الواحدة صباحاً، ويقول: لماذا أعود إلى البيت باكراً، ولا يوجد فيه إلا أبي وأمي المسنان، ولا حوار بيننا، ولا أية موضوعات مشتركة، ولذلك أقضي الوقت مع أصحابي، فنتسلى ونتحدث، وبعد أن أتركهم أستكمل سهرتي حتى الثالثة صباحاً، أشاهد التلفاز أو أجلس أمام الشات. ورغم أن أحمد السنكري- 21 سنة - يعمل عملاً مرهقاً طوال النهار فهو طاه في أحد الفنادق، إلا أنه يسهر لوقت متأخر، ويقول: حين أقابل أصحابي لا ننوي السهر والتأخير، ولكن الحديث يأخذنا ونفاجأ بأن الوقت قد مضى ولم نشعر به، فنسارع بالعودة إلى المنزل، فنجد أمهاتنا غاضبات من هذا التأخير. ولا يختلف أحمد عبد الله - 18 سنة - كثيراً عن السنكري، فهو يسهر أيضاً مع أصحابه حتى الواحدة صباحاً، ويقول: أخرج غالباً آخر الأسبوع مع الأصدقاء، فنجلس في إحدى الكافتيريات، وعندما سألته متىتقرأ قال: النهار طويل وممل، وليس لدي مشكلة مع السهر فقد تعودت عليه، وادرس بالنهار قدر الإمكان. لماذا السهر؟ تتعدد أسباب السهر، ولعل أهونها وأيسرها علاجاً هي الأسباب الفيزيولوجية الناتجة عن خلل في إفراز هرمون الميلاتونين الذي يؤثر تأثيراً مباشراً في عملية النوم، هذا ما اكدته لنا الدكتورة احلام بدران اختصاصية في الطب النفسي وتقول: السهر قد يكون هروباً من مواجهة مشكلات حقيقية تتحدانا في حياتنا الاجتماعية، أو الدراسية، أو الزوجية، أو العملية، ونترجم الهروب منها في السهر أمام شاشات التليفزيون أو النت أو غيره؛ حتى لا نفكر في مواجهتها كثيراً. وقد يكون تعبيراً عن اضطراب نفسي كالاكتئاب والقلق، أو التوتر، يحتاج لعلاج نفسي، وقد يكون تعبيراً عن العدوانية، خاصة في فئة المراهقين؛ حيث مرحلة التمرد على قوانين البيت، وقائمة (افعل ولا تفعل)؛ حيث يجد المراهق نفسه غير قادر على التعبير عن غضبه مما يُطلب منه أو الاعتراض عليه بشكل واضح وصريح، فيقوم بالسهر وإضاعة الوقت في غير فائدة «كـ تنفيس» غير مباشر لاعتراضه على الأهل؛ لأن في إضاعة الوقت إيذاء لوالديه وإثباتاً لشخصيته وهذا قد يكون نتاجاً للتربية المدللة مما يخلق شخصا مستهتراً لا يعي معنى الحرية بحق وتضيف الدكتورة بأن للاعلام دوره حيث صدّر لنا مفهوم السهر بالقنوات التي تستمر في البيت 24 ساعة يومياً. أضراره الصحية وتعود وتبين لنا الدكتورة أحلام أن عدم أخذ القسط الكافي من النوم يؤدي إلى ظهور أعراض وأمراض، منها: التعب - الصداع - الغثيان - احمرار العينين وانتفاخهما - التوتر العصبي - القلق - ضعف الذاكرة والتركيز - سرعة الغضب - الألم في العضلات وثبت من خلال التجارب التي أجراها عدد من علماء التربية البدنية أن الوظائف الجسمية تزداد قوتها وتنقص بين وقت وآخر خلال اليوم,وتتابع عن آثارالسهر وقلة النوم وتؤكد أنه يسبب خللاً في جهاز المناعة، وهو خط الدفاع الأول والأخير ضد الأمراض، وعندما يعتلّ هذا الجهاز، فهذا معناه - وبكل بساطة - الانهيار؛ ذلك أن هذا الجهاز مبرمج على ساعات اليقظة وساعات النوم التي يحتاجها الإنسان، وعند حدوث تغيير في هذه الدورة اليومية يصاب جهاز المناعة بالتشويش والفوضى. ليس حلاً وعن كيفية العلاج أو المواجهة، يقول الأستاذ علي الخطيب المرشد الاجتماعي لكل شاب: عليك أن تعي أن نجاحك في الحياة هو مسؤوليتك الشخصية، ولن تنجح إلا إذا قاومت ما تحب، وتحملت ما تكره، فقد تهوى السهر، ولكنك في المقابل تأخذ من رصيد صحتك البدنية والعصبية والنفسية، ومن رصيد دورك الحقيقي في هذه الحياة الذي خُلقت له، من العمل والدأب نهاراً، والاسترخاء والنوم ليلاً. ولا تتصور أنك بذلك تُسلب حريتك، فالحرية التي تسبب المرض والتقصير، والوقوع فيما لا يجب - هي حرية مزيفة، والحرية التي تقوم على مجرد التمرد هي حرية أيضاً مزيفةويردف ناصحاً بأن الحرية الحقيقية هي ألا تظل عبداً لعادة سيئة أثبتت معظم الدراسات أنها تسبب الكثير من الاضطرابات العصبية والعقلية والنفسية، وتسبب ضعفاً في التركيز والذاكرة قصيرة المدى، والقدرة على التحصيل والأداء مهما نام الإنسان نهاراً. ويؤكد أن السهر ليس علاجاً لمشكلة تواجهك، بل هو هروب من واقع قد يكون سببه الفراغ أو عدم وجود شيء حقيقي تعمل من أجله، والأجدر بك البحث عن هذا الدور وهذا العمل، بدلاً من قتل خلايا مخك وتدميرها يومياً بهذا السهر، والوقوع في المزيد من عدم الرضا عن النفس والحياة، أو الاستهتار بهما. |
|