|
رؤيـــــــــة كلما مررت باسمه في جريدتنا في زاويته الثابتة, أهمس وبشكل لاإرادي: هو رجل يحرث الأرض البور بقلمه, ويحرث صحراء الوقت بفكره, يعاند سنواته الثمانين ويملأ عيشَه حياة. لم توقف ثمانينه ذاك الجسد الضئيل عن متابعة الحياة الثقافية بكل تفاصيلها. قبل سنتين التقيته في مقهى الروضة, يحمل حقيبة جلدية صغيرة متخمة بالأوراق.. أعجبني تواضعه.. وهمّته.. وإصراره.. ومنذ شهور كان يلحّ على خاطري, لكنني للأسف لم أره ثانية. حين رأيت عادل أبو شنب, تذكرت الأديب حنا مينه, المتمرد على جسده, وهو يحمل ثمانيناته أيضاً ويدق على صدره: الجسد يخون لكن الروح لا تخون! هو سر الروح إذاً التي تفيض على حدود جسدها العاجز, والذي يحاول التضييق عليها, لكن الكاتب أو الفنان هو فقط- وبعض الناس الاستثنائيين- من تقهر روحُه وعاءَها, فينتقم منه الجسد بمزيد من العجز, وتنتقم الروح منه بمزيد من الفيض الأخضر. عادل أبو شنب «الطفل الجميل» و«الطفل الشجاع» واحد من جميعِ «أصدقاء النهر» نهر الحياة والكلمة الطيبة.. فما عساه يفعل سيف هذه الكلمة في عالم اليوم الفاغر فاهاً على الدم والعنف!؟ مازال دونكيشوت الكلمة التي أصلها في الأرض وفرعها في السماء تحمل سيفها الخشبي, وتقاتل كل دراكولات العالم المتحضر الذي لا يعتمدك واحداً فيه إلا بمقدار رصيدك من الدم.. رصيدك من قهر الآخر.. من قتل الآخر.. وداعاً عادل أبو شنب.. أحياناً أحسدك.. إذ لعل الموت كان رحيماً بك فجنّبك متابعة السير في هذا النفق المظلم الذي لا تبدو شمعةٌ في آخره... هل أنا متشائمة؟ ربما- لكن من فضائل المتشائم كبح جماح المتفائل, ولولاه لما فكر أحدهم باختراع المظلة في حال تعطلت الطائرة. كم نحن بحاجة إلى مظلاتٍ.. علّنا ننجو من هذا الخطر الذي دهم طائرتنا السورية!! |
|