تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تجويع الشعوب.. سياسة أمريكية!

شؤون سياسية
الأربعاء 23/4/2008
أحمد ضوا

تتقدم أزمة الغذاء التي تشهدها دول عديدة شيئاً فشيئاً لتحتل قائمة الأزمات العالمية, وعلى ما يبدو أن ما تشهده بعض المناطق من ارتفاعات جنونية للأسعار جراء ضعف الانتاج والمضاربات تدفع باتجاه خطير للأزمة ,

حيث تواجه حتى الآن أكثر من 33 دولة اضطرابات اجتماعية بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة. ولعل السؤال الأهم هنا هو لماذا وصل الأمر إلى هذه الدرجة من الخطورة? وهل هناك من مسؤولية مباشرة تقع على دول معينة?‏

لتحديد مسؤولية بعض الدول لا بد من معرفة الأسباب المباشرة للنقص الحاصل في الكميات المطروحة في الأسواق العالمية ,حيث وصلت أسعار بعض المواد الغذائية التي تشكل مصدراً لغذاء أكبر نسبة من سكان العالم إلى أرقام قياسية , حيث سجل الأرز أعلى سعر له خلال 19 عاماً وكذلك الأمر بالنسبة لأسعار القمح التي ارتفعت إلى مستوى قياسي خلال أكثر من 28 عاماً.ويعزو الخبراء أسباب هذا الارتفاع الجنوني في أسعار القمح والأرز إلى مجموعة عوامل من بينها تراجع انتاج الأرز هذا العام بحدود 3.5 بالمائة على المستوى العالمي وتراجع المخزون العالمي منه إلى أدنى مستوى منذ 30 عاماً, بينما تشير التوقعات إلى ارتفاع أسعاره بأكثر من 40 بالمائة خلال الأشهر المقبلة. وإذا كانت آثار هذا الارتفاع ظهرت في عدد من الدول الفقيرة , فهذا لا يعني على الاطلاق أن الأزمة يمكن تطويقها في باقي الدول النامية وحتى المتطورة, إذ يقول خبراء الأغذية العالميون: إن الأزمة لن تستثني أحداً بما فيها الدول الغنية إذا لم تتخذ إجراءات فورية وصارمة لمواجهة الأسباب المباشرة وغير المباشرة والتي تسهم في استمرار التراجع بإنتاج المحاصيل الزراعية كالأرز والقمح والذرة على المستوى العالمي, وعلى رأسها المضاربات والاحتكارات وأيضاً ارتفاع أسعار الطاقة والأسمدة إضافة إلى التغيرات المناخية والتبدلات الطقسية التي أدت إلى الجفاف الواسع في العديد من مناطق العالم.‏

وبالعودة إلى السؤال الذي بدأنا فيه معالجة هذه القضية الحساسة وهو هل هناك دول بعينها مسؤولة عن تفاقم وتاليا استمرار هذه الأزمة? بالعودة إلى الأسباب المباشرة التي ذكرت سابقاً لا يمكن تجاهل مسؤولية العديد من الدول الغنية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية عن هذه الأزمة ومن ثم توجيه الاتهام المباشر لها بتجويع الملايين من سكان العالم وتهديد استقراره وامنه. وتتربع أمريكا التي تعارض الوصول إلى اتفاقية دولية للحد من الاحتباس الحراري المؤدي إلى التغيرات المناخية وحصول الجفاف وخروج ملايين الهكتارات الزراعية من الانتاج على سلم المسؤولين عن أزمة الغذاء العالمي . ولا يتوقف دورها عند هذه المسألة الخطيرة والحساسة بل هي أيضاً مسؤولة بدرجة كبيرة عن الارتفاع الكبير في أسعار المواد اللازمة للزراعة وأيضاً في ارتفاع أسعار النفط إلى أرقام قياسية ,الأمر الذي انعكس سلباً على المزارعين في العالم بشكل عام وأدى في نهاية المطاف إلى النقص الحاصل في المخزونات الاستراتيجية لبعض المواد الغذائية وخاصة الحبوب التي تشكل المصدر الرئيسي للغذاء.‏

والمسؤولية الأمريكية لم تتوقف عند هذا الحد بل أشارت تقارير عالمية إلى أن المضاربين الأمريكيين إضافة للمحتكرين تسببوا بالارتفاع الجنوني لأسعار المحاصيل الاستراتيجية ,الأمر الذي نقل الأزمة إلى حلقة جديدة عنوانها ارتفاع الأسعار ,ما أدى إلى تعميم هذا الارتفاع على الكثير من الأغذية المتعلقة بالاستهلاك اليومي الضروري. الوجه الآخر للأزمة والتي بدأت أمريكا باستغلاله هو مقايضة الغذاء بالمواقف السياسية, أي التدخل المباشر في الشؤون الداخلية للدول المحتاجة, وبالتالي المساس بسيادة هذه الدول وقرارها المستقل إزاء التطورات الإقليمية والدولية , ولا يخف على أحد التدخلات الأمريكية عبر سلة الغذاء في شؤون عدد غير قليل من الدول الافريقية والآسيوية وحتى العربية, وما يشكل ذلك من مخاطر جمة على الاستقرار والأمن العالمي المهدد في هذه المرحلة بفعل التدخلات الدولية أكثر من أي وقت مضى.‏

في المدى القريب ليس هناك حل عاجل للأزمة بل التوقعات تصب في الاتجاه الأسوأ ,وإذا كان في أمريكا 20 مليو ناً تقدم لهم المساعدات الغذائية فكيف سيكون مصير الكثير من سكان الدول الفقيرة التي تعتاش على المساعدات الدولية التي نقصت بمعدل 30%?‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية