تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تاريخ .. حاضر ... مستقبل...?

كتب
الأربعاء 23/4/2008
فادية مصارع

(العرب لا يقرؤون وإذا قرؤوا لا يفهمون)

كذبة أطلقها وزير الحرب الأسبق موشي ديان, وصدقها العرب فاستمرؤوا أن تكون أمة اقرأ لا تقرأ.‏

عودة إلى التاريخ‏

في كتابه الحياة السياسية في الوطن العربي أحداثها وأزمانها يرى د. جوزيف كلاس, أن العرب اليوم بحاجة ملحة إلى قراءة تاريخهم بعجره وبجره, ومراجعة الأحداث التي مرت عبر عصوره والتداعيات التي آلت إليها, محاولاً استنهاض الهمم والعزائم لبناء مستقبل راسخ يستلهم دروس الماضي وعبره, فالأمم لا تتكلم عن أمجادها وانتصاراتها فحسب, بل تستفيد من هزائمها وعثراتها, وإن كان العرب يزهون بمنعة أمتهم وقوتها إبان وحدتها وتماسكها, فما أجدرهم وأحوجهم اليوم إلى التأمل وأخذ العبر من فترات ضعفها وتمزقها وتشتت ولاءات حكامها وولاتها.‏

بين الطب والأدب‏

د. كلاس إذ يتصدى للكتابة التاريخية لا يعني نداء المؤرخ - كما يرى د. أسعد صقر - بل يلبي في آن معاً نداءين لا يكادان ينفصلان عن بعضهما أولهما: نداء الأديب في أعماقه, فعلى الرغم من مهنته كطبيب فإن نزعته الجمالية وثقافته الموسوعية, وتذوقه للشعر والأدب تترك لجليسه انطباعاً بغلبة الأديب عما سواها.‏

أما النداء الثاني: فهو نداء جيله لأن المؤلف ينتمي إلى جيل تفتح وعيه السياسي والفكري في منتصف الثلاثينات من القرن العشرين, حيث كان الانتداب الفرنسي على سورية يواجه نقمة شعبية تطالب بجلاء الفرنسيين عن أرض الوطن, فأتيحت لهم الدراسة والتخصص في فرنسا, ثم العودة إلى ربوع الوطن بعد أن نهلوا من ثقافة الغرب إلا أنهم لم ينبهروا بالمجتمع العربي إلى الحد الذي ينسيهم واجبهم نحو وطنهم.‏

موسوعة في كتاب‏

(موسوعة في كتاب) عبارة يستحقها الكتاب الذي بين أيدينا والصادر عن وزارة الثقافة (الهيئة العامة للكتاب) إذ إنه أحاط بثلاثة عشر قرناً من الأحداث الجسام التي مرت في الوطن العربي بأحداثها وأزمانها من القرن الثالث عشر حتى القرن التاسع عشر في أقل من أربعمئة صفحة موثقاً التاريخ العربي والإسلامي منذ فجر الدعوة مروراً بعصر السلطان عبد الحميد, وصولاً إلى العصر المملوكي, وهو بذلك لا يكتفي برصد التقلبات السياسية فقط, بل يتوقف عند الظواهر الثقافية والفكرية والأنماط الاجتماعية لكل حقبة من الحقب وتأثيرها وانعكاساتها على الحكام والشعب.‏

تاريخ مشرق وعصر ذهبي‏

ويتطرق المؤلف فيه إلى الحقبة الذهبية التي شهدها العالم العربي, وتزامنت مع فتوحاته, فسطع نورها في القرنين التاسع والعاشر للميلاد, في دمشق عاصمة الأمويين, وبغداد مقر العباسيين, وقاهرة الفاطميين, واجتازت البحر المتوسط لتزهر على شواطئه, مشيراً إلى الآثار الإيجابية للاختلاط مع ا لأجنبي في العصر العباسي وانعكاساته على البيئة الثقافية, إذ نشطت حركة الترجمة والنقل من السريانية والفارسية والهندية, وانتشرت الثقافات الأجنبية المختلفة في العالم العربي, منبهاً إلى الدور الخطير الذي لعبه اعتماد خلفاء بني العباس على الجنود من الترك والديلم, فهم أول من اتخذ وزراء من الفرس, وجعلوا مقاليد أمور الدولة بيدهم, فضلاً عن أنهم حاكوا القياصرة والأكاسرة في تنظيم دولتهم, ومالوا إلى الترف والرخاء, ما انعكس سلباً على الحياة الاجتماعية واقتصاديات البلاد, وهو ما أدى إلى سقوط دولتهم بيد هؤلاء.‏

العرب من السطوع إلى الأفول‏

بأي مصيبة ابتليت الأمة العربية حتى تصبح الفجوة بين ماضيها وحاضرها مذهلة إلى هذا الحد?‏

سؤال طرحه د. كلاس الذي يعتبر أن الإخفاق العربي بدأ مع عصر الانحطاط, عصر انحطاط دولة بني العباس بسقوط بغداد 1258م, ثم بسقوط غرناطة 1492م, وما إن سقطت الدولة العثمانية, حتى أطبقت الجيوش البريطانية والفرنسية في المشرق والمغرب, كورثة للحكم العثماني, بعد الحرب العالمية الأولى.‏

وعلى الرغم من الخسائر التي أنزلها الأعداء, والآلام التي سببوها لنا بدءاً من الغزو الصليبي, ثم المغولي, ثم الهيمنة العثمانية, وبعدها الاستعماران الفرنسي والبريطاني, ثم إسرائيل وانتهاء بالهيمنة الأميركية, بات من الضروري أن نتذكر وندرك مدى مسؤوليتنا نحن كعرب فيما حدث ويحدث, وألا نرمي تبعات فشلنا وإخفاقنا على الأجنبي وحده, فهل نتنبه ونستفيق? (فالعاقل من اتعظ بغيره والشقي من اتعظ بنفسه).‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية