|
آراء
وعدم مراعاة أوقات راحة الآخرين) أما هي فلم تنم لأنها سمعت صرخة محزونة من بيت الجيران وقت السحر, وتلك الصرخة المكلومة لم تكن بسبب حريق ولا انهيار مبنى على ساكنيه, ولا موت مفاجىء , بل لخبر تلقته الجارة عن مقتل قريبة لها بطريقة أكثر من وحشية! ماذا في الحكاية? أم شابة لديها ثلاثة أطفال اكبرهم ابنة في الخامسة عشرة ربيعاً , أراد زوجها الخلاص منها , فأتى إخوتها واشتكى لهم أنها تقيم علاقة مع أحد معارفه! تدارس الأخوة مع أبيهم على عجل قضية الاخت التي هدمت شرائع الكون, ولطخت سمعتهم بعلاقة آثمة , وأصدروا حكمهم دون أن يسمعوا منها كلمة دفاع واحدة( ما قيمتها بين الآدميين كي تدافع عن نفسها?) دعيت الأخت الى منزل أبيها , وطلب من الأم تحضير القهوة قياماً بواجب ضيفتها ! خرجت الام الى المطبخ وأغلق باب الغرفة وراءها بالمفتاح, ثم تقدم الاخ الأكبر من أخته وهوى على رأسها بتلك المطرقة الضخمة التي تهدم بها السقوف القوية العالية , ثم تناوب عليها الأخ الثاني فالثالث , والاب المتشفي ينتظر أن تلفظ أنفاسها الاخيرة , ليتأكد من محو العار الذي زعزعت به أركان الفقر والجهل , والمذلة الكامنة في عجز من لم يكتب لهم رؤية الخير والجمال في خلق الاله الرحيم , الذي وحده من يملك حق القصاص فينتج ذلك مجتمعاً مثل هذه الجرائم التي تقشعر لها الأبدان! تكمل مضيفتي باكية بحرقة : همدت أنفاس القتيلة , غرقت الغرفة البائسة بالدم! سلم الأخ الأكبر نفسه! ذهبت التحقيقات الى سؤال المعارف والجيران , بعيداً عن النميمة والغيبة فأجمع كل من سئل أنه لم يعرف عن هذه المرأة » ما يشين« النساء المتزوجات أو حتى العازبات! حصل هذا في زمن هو زماننا الذي تبكي فيه البراءة كل يوم.. وربما أكثر من زمن القتل الاول الذي استبيحت فيه حياة الإنسان ولكن هل يكون القتل فحسب بتحطيم الرأس ورؤية الضحية مضرجة بدمائها? أليس هناك أنماط من القتل تطيل احتضار ضحاياها الى ما لا نهاية ? بل لعلها تجعل الموت خط نهاية لعذاب لايحتمل وبداية لراحة أبدية? لقد كتب الروسي فالنتين راسبوتين رواية عن فتاة طيبة اسمها » كاتارينا بلوم« تعمل أمينة صندوق في جمعية استهلاكية وكان الجميع يطلب ودها مع القروض الصغيرة من صندوقها والسلع المستدانة, إلى أن جاء التفتيش المفاجىء وبدأت المذبحة المتسلسلة لسمعة الفتاة وأمانتها ووضعها في الحجز قيد التحقيق بعيدا عن طفلتها وتحولت فجأة, ومجاناً وبخيال أو مصلحة الناشطين من فاقدي الضمير الى لصة وبائعة لذة , ومستفيدة من علاقاتها مع الرجال ليس كزبائن للجمعية الاستهلاكية , بل كزبائن متناوبين على غرفة نومها ولم يقف أحد مع ضميره لحظة واحدة ليقول فيها كلمة حق , وحين ثبتت براءتها بمحض المصادفة بعد ان قرعت كل الابواب واستنجدت بكل المعارف كان شرفها قد مرغ في الوحل , وزوجها قد تخلى عنها وتكسر ما فيها من الثقة بصدق الاخرين.. ( من الصعب نسيان الوحول التي تلوث الوردة حتى لو غسلتها أمطار الكون) ولأن هذه الرواية جرحت في قلبي مكاناً لا برء فيه, أتردد كثيراً في تصديق الحملات المنظمة على أي ضحية فلكم عرفت أبرياء شوهت سمعتهم وقيل بهم ما ليس فيهم أدخلوا في ألاعيب سريالية ممتدة , ومستحكمة توظف فيها التفاصيل لتصرعهم وتخرجهم من حقل الفعل , وتزيحهم من ساحة يريدون أن تخلو لهم وحدهم والمدهش أن هؤلاء القتلة لا يهدؤون ولا يكلون ولا يملون ولا يخجلون ولا يوفرون وسيلة ولا ساحة بل ويظنون أنهم منتصرون في عالم تتخبط فيه موازين القوى ولا ينتصر فيه الخير دائماً.. غادرت منزل مضيفتي التي لم تفهم, كما حدست, سبب صمتي وعدم ابدائي اي استفهام حول المرأة المغدورة رغم أنها بكت لتجعلني أتعاطف مع النساء اللواتي يقتلن ببساطة منذ عصور لانهن خرجن عن المباركة الاجتماعية لكنها لم تدر ان التداعيات طافت بي على كاترينا ذات الشرف الضائع والكثير من معارف أعفوا من مهامهم أو مناصبهم أو سمعتهم , مرجومين بكل الموبقات وأنا أتمنى ( والامنيات تتسم غالباً بالسذاجة) لو أنهم غادروا دون تلويث وليس دون كلمة شكر في أبأس الاحوال ! ترى كم كاترينا تعيش حولنا ,ونحن نسهم في رجمها دون أن ندري? |
|