|
شؤون سياسية وبصرف النظر عما يحويه مشروع السيد أنان فإننا نعتقد بأن هيئة الأمم المتحدة تعاني كثيراً من القصور في عملها سواء من الناحية الوظيفية أم من الناحية التمثيلية, وعلى المجتمع الدولي تلافي هذا القصور وإلا كان مصيرها كمصير سابقتها (عصبة الأمم) التي عاشت بين 1920 و.1939 ونعتقد بأن أهم النقاط التي يجب معالجتها وإيجاد حلول لها هي ثلاث: إعادة التوازن بين أجهزة الهيئة- زيادة أعضاء مجلس الأمن- إلغاء حق النقض (الفيتو) أو تقييد استخدامه. أ- إعادة التوازن بين أجهزة الهيئة: يجمع فقهاء القانون الدولي المعاصر, والمختصين بالعلاقات الدولية على أن الوسيلة الأولى إن لم تكن الوحيدة التي تكفل إعطاء الأمم المتحدة الفعالية الكافية التي تمكنها من أداء دورها المحدد لها في ميثاقها هي التمسك بمبدأ مساواة الدول الأعضاء في السيادة, دون أي تمييز بين الدول الكبرى والدول الصغرى. وبما أن مبدأ المساواة مطبق في (الجمعية العامة) حيث تتمتع جميع الدول بصوت واحد مهما كان حجمها وليس مطبقاً في (مجلس الأمن) حيث توجد فيه خمس دول عظمى دائمة العضوية (الولايات المتحدة الأميركية- المملكة المتحدة- الجمهورية الفرنسية- روسيا الاتحادية- جمهورية الصين الشعبية) وعشر دول تنتخب لمدة سنتين فقط غير قابلتين للتجديد مباشرة لذا كان من المنطقي ومن دواعي الديمقراطية إعطاء (الجمعية العامة) نوعاً من الأولوية على (مجلس الأمن) لأنها تمثل جميع الدول الأعضاء بينما لا يمثل المجلس إلا 15 دولة فقط. والحقيقة أن رواد فكرة التنظيم الدولي, منذ أوائل القرن التاسع عشر, كانوا يرون أن أية منظمة دولية ستقوم في مستقبل الأيام, يجب أن تكون بمثابة (حكومة عالمية) لذا يجب أن يكون فيها -كما في الدولة- ثلاث سلطات هي التشريعية والتنفيذية والقضائية وفي منظمة (هيئة الأمم المتحدة) القائمة حالياً يمكن اعتبار (الجمعية العامة) هي السلطة التشريعية و(مجلس الأمن) هو السلطة التنفيذية, و(محكمة العدل الدولية) هي السلطة القضائية. وأما (الأمانة العامة) فهي بمثابة الجهاز الإداري التنفيذي للمنظمة. ولكن واقع هيئة الأمم المتحدة لا يطابق هذا التصوير بتاتاً إذ إن واضعي الهيكلية الأساسية للمنظمة, وهم ستالين وتشرشل وروز فلت عند اجتماعهم في مؤتمر يالطا (شباط 1945) راعوا مصالح الدول الكبرى على حساب مبدأي الديمقراطية والمساواة فأعطوا لمجلس الأمن سلطات أوسع وأكثر أهمية من صلاحيات الجمعية العامة, حيث أعطوا لهذه الأخيرة صلاحية (مناقشة) القضايا والأمور التي تعرض عليها واتخاذ (توصيات) بشأنها, بينما بقيت سلطة اتخاذ (القرارات) بيد مجلس الأمن, بحسب الفصلين السادس والسابع من الميثاق. ب- زيادة عدد أعضاء مجلس الأمن: وذلك حفاظاً على ديمقراطية التمثيل الكلي, حيث كان عدد الأعضاء المؤسسين للهيئة 51 دولة في عام ,1945 وكان عدد أعضاء مجلس الأمن عندئذ 11 دولة (5) دول دائمة العضوية هي الدول الخمس الكبرى المعروفة التي خرجت ظافرة من الحرب العالمية الثانية عام ,1945 و6 دول مؤقتة العضوية تنتخب من قبل الجمعية العامة لمدة عامين غير قابلين للتجديد. وفي عام 1968 أصبح عدد أعضاء الهيئة 126 دولة, ما استدعى زيادة عدد أعضاء المجلس إلى 15 دولة: 5 دول دائمة العضوية و10 دول مؤقتة العضوية, ولا يزال عدد أعضاء المجلس هكذا حتى هذه الأيام في حين بلغ عدد أعضاء الهيئة 191 دولة. وارتفاع عدد الأعضاء بهذا الشكل أصبح يفرض زيادة عدد أعضاء المجلس ليصبح أكثر تمثيلاً لجملة أعضاء الهيئة, والعدد المقترح اليوم هو 25 عضواً: 15 دولة مؤقتة العضوية لمدة ثلاث سنوات, تنتهي عضوية خمس دول منها كل سنة وينتخب بدلاً منها و10 دول دائمة العضوية هي الدول الخمس الحالية وخمس دول أخرى المقترح أن تكون هي: ألمانيا, واليابان, نيجيريا, الهند, البرازيل. وعقدة النجار هي أن الولايات المتحدة الأميركية لا ترغب في أن تتمتع هذه الدول المرشحة للعضوية الدائمة بحق الفيتو, أو أن تتمتع به ألمانيا واليابان فقط (بالنظر لمكانتهما الاقتصادية العظمى) بينما تحتل الدول الثلاث الأخرى (الهند, نيجيريا, البرازيل) مقاعد دائمة دون أن يحق لها استخدام الفيتو, وهذا ما ترفضه البرازيل. ج- إلغاء حق الفيتو أو تقييد استخدامه: عندما اجتمع الثلاثة الكبار (ستالين وروزفلت وتشرشل) في مؤتمر يالطا (شباط 1945) اتفقوا على الخطوط الهيكلية للمنظمة الدولية المزمع إنشاؤها لعالم ما بعد الحرب (هيئة الأمم المتحدة) وصمموا على أن يكون للدول الخمس الكبرى المنتصرة في الحرب (أميركا- بريطانيا- الاتحاد السوفييتي- فرنسا- الصين) ثلاثة امتيازات أساسية على غيرها من الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة وهي: 1- إعطاء هذه الدول الخمس صفة العضوية الدائمة في مجلس الأمن. 2- تمتع هذه الدول الخمس بحق استخدام الفيتو في هذا المجلس لإبطال ونقض أي مشروع قرار لا يتلاءم مع مصالحها أو مصالح حلفائها. 3- تتمتع هذه الدول الخمس بما يشبه حق الفيتو في الجمعية العامة حينما تريد هذه الأخيرة تعديل الميثاق. ولما اجتمع المشرعون الدوليون في مؤتمر سان فرانسيسكو بين 25 نيسان و25 حزيران 1945 وجدوا أمامهم هذه الامتيازات في صلب المشروع ولم يكونوا أحراراً في رفضها أو تعديلها لأنه جرى إفهامهم أن الدول الخمس لن توقع على المشروع إذا جرى أي مساس بهذه الامتيازات. وهكذا جاء نص المادة 23 من الميثاق كالتالي: يتألف مجلس الأمن من خمسة عشر عضواً من الأمم المتحدة وتكون جمهورية الصين وفرنسا واتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وشمالي إيرلندا والولايات المتحدة الأميركية أعضاء دائمين فيه). كما أن المادة 27 منه نصت كما يلي : 1- أن يكون لكل عضو من أعضاء مجلس الأمن صوت واحد. 2- تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الإجرائية بموافقة تسعة من أعضائه. 3- تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الأخرى كافة بموافقة تسعة من أعضائه, يكون بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة, بشرط أنه في القرارات المتخذة تطبيقاً للفصل السادس والفقرة الثالثة من المادة 52 يمتنع من كان طرفاً في النزاع عن التصويت. ولشرح هذه المادة نقول: بالرغم من أن نص الفقرة 1 من المادة 27 يقضي أن يكون لكل دولة عضو في مجلس الأمن صوت واحد- وفي هذا احترام ظاهري لمبدأ المساواة بين الدول- فإن الفقرة الثانية من هذه المادة أوجبت موافقة الدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية جميعاً (بالإضافة لأربع دول من الأعضاء المؤقتين) على أي مشروع قرار لكي يقر هذا المشروع ويصبح قراراً. وبكلمة أخرى فإنه حتى لو وافقت أربع عشرة دولة من أعضاء المجلس (10 أعضاء مؤقتون+ 4 أعضاء دائمون) واعترض العضو الخامس عشر إذا كان من الأعضاء الدائمين على مشروع قرار ما يسقط المشروع ويعتبر كأنه لم يكن, وهذا ما يسمى (حق النقض أو الفيتو). ويستحسن هنا أن نشير إلى أن الامتناع عن التصويت (ABSTENTION) أو (الغياب عن الجلسة (ABSENCE) لا يعتبران من قبيل استخدام حق النقض وتحسب الأصوات الموافقة والمقترضة دون عد وصوت العضو الممتنع عن التصويت أو الغائب من هؤلاء أو أولئك, وهكذا مر القرار رقم 678 لعام 1991 الخاص بشن الحرب على العراق لإجباره على الجلاء عن الكويت بالرغم من أن دولة الصين الشعبية امتنعت عن التصويت عليه! ومن البديهي أن استخدام حق الفيتو- أو بالأحرى إساءة استخدامه- يجعل منه سلاحاً مخيفاً بيد الدول الكبرى تجاه الدول النامية والدول الصغرى, ولهذا يتزايد الطلب بإلغائه أو على الأقل تضييق استخدامه, كأن تعطى الجمعية العامة مثلاً حقاً في إعادة النظر في مشاريع القرارات التي أسقطها المجلس باستخدام حق الفيتو من قبل أحد الأعضاء الدائمين. وإجازتها بقرار منها بأغلبية ثلاثة أرباع أصوات الجمعية مثلاً (144 صوتاً من أصل 191 حالياً على سبيل المثال). ولكن الدول الخمس الكبرى تقف في وجه أية مطالبة جدية للمساس بهذا الحق, وعلى رأس المعارضين الولايات المتحدة الأميركية التي تهدد دوماً بقطع المعونة المالية عن الهيئة (25% من موازنة الهيئة السنوية) إذا أدخل أي إصلاح لا ترضى عنه, وقد ورد في تصريح لمندوبها في اللجنة الخاصة بتعديل الميثاق في جلستها بتاريخ 4/5/2006 أنه (لا يجب المساس بحقوق الأعضاء الخمسة الدائمين في هيئة الأمم المتحدة وخاصة حق الفيتو)!. ويزيد الأمر صعوبة أن أي مساس بحق الفيتو يستوجب تعديل الميثاق, وتعديل الميثاق يستلزم موافقة ثلثي أعضاء الهيئة على الأقل بشرط أن تكون الدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية في المجلس ضمن هذه الدول التي أقرت التعديل, وذلك استناداً للمادة 108 من الميثاق التي تنص كما يلي: (التعديلات التي تدخل على هذا الميثاق تسري على جميع أعضاء الأمم المتحدة إذا صدرت بموافقة ثلثي أعضاء الجمعية العامة, مصدق عليها ثلث أعضاء الأمم المتحدة ومن بينهم جمعية أعضاء مجلس الأمن الدائمين وفقاً للأوضاع الدستورية في كل دولة). ومعنى هذا النص أن أي مشروع لتعديل الميثاق يجب أن يمر بمرحلتين: 1- إقرار التعديل من ثلثي أعضاء الهيئة, أي 128 دولة من أصل 191 دولة عضو في الهيئة حالياً على الأقل. 2- التصديق على هذا التعديل من قبل ثلثي أعضاء الهيئة على الأقل, حسب نظام التصديق على المعاهدات في دستور كل دولة, بشرط أن تكون الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن ضمن هذه الدول المصدقة. ومثل هذا الاحتمال ضعيف جداً بالطبع إلا إذا تمت صفقة دولية كبرى حصلت فيها هذه الدول على امتيازات أخرى مقابل هذا الامتياز (كإحياء لجنة رؤساء الأركان التابعة للمجلس, ووضع قوات عسكرية دائمة تحت قيادة المجلس يحركها أينما يشاء ومتى يشاء)! وفي انتظار حدوث مثل هذه المعجزة ليس أمام الدول النامية والدول الصغرى إلا تقوية المنظمات الإقليمية المساعدة (مثل منظمة المؤتمر الإسلامي- جامعة الدول العربية- مجلس التعاون الخليجي- دول عدم الانحياز), والوكالات الدولية المتخصصة (اليونيسكو- الفاو- منظمة الصحة العالمية- منظمة العمل الدولية) وانتظار ظروف أفضل لتقوية الجمعية العامة على حساب مجلس الأمن لإعادة شيء من التوازن بينهما. وفي نهاية هذا المقال بقي علينا أن نجيب على سؤال كثيراً ما سمعناه من بعض المتشائمين وهو التالي: أليس من الأفضل حل هيئة الأمم المتحدة أو الانسحاب منها على الأقل? نعتقد صراحة بأن إبقاء هذه المنظمة والبقاء فيها أجدى لنا وللبشرية قاطبة تطبيقاً للمثل القائل: (شيء خير من لا شيء). * باحث في القانون الدولي والتاريخ |
|