تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


نواقيس... أمريكا والاختيار الصعب

بغداد
شؤون عربية ودولية
الثلاثاء 2/5/2006
نزار السامرائي

استجاب الرئيس الأمريكي جورج بوش لنصائح مستشاريه وزعماء الحزب الجمهوري باحداث فرقعة في البيت الأبيض توزع اهتمام المواطن

على اكثر من قضية فقبل استقالة ثلاثة من موظفي ادارته على نحو يوحي وكأن الاستقالات تمت بناء على طلب من مصادر عليا بحيث لو انهم لم يقدموها لطلب منهم ذلك واذا كانت استقالة كارل روف رئيس الدائرة السياسية ومستشار الرئيس للشؤون السياسية متوقعة منذ فترة فإن اللافت ان يقدم جويل كابلاند استقالته ايضا وهو الذي كان مرشحا ان يحل محل روف, اما سكوت ماكللان المتحدث باسم الرئيس فقد جاءت استقالته لتشير الى ان المواطن فقد ثقته بهذا الصوت الذي ظل يمرر اكاذيب الادارة الامريكية وخاصة بعد افتضاح ادوار الرئيس في كشف صلة زوجة السفير الامريكي السابق جوزيف ولسون بوكالة المخابرات المركزية لان السفير المذكور دحض حجة رئيسه بشراء العراق لكميات من اليورانيوم من النيجر, فقد استهلكت صورة ماكللان ولم يعد بمقدوره الدفاع عن سياسة رئيسه وربما يكون هو شخصيا قد فقد الحافز للقيام بذلك وجاءت هذه الاستقالات متزامنة مع تزايد النقمة على سياسة بوش في العراق وافغانستان بشكل خاص وبشأن ما يسمى بالحرب على الارهاب , فالامريكيون باتوا يعتقدون ان بلادهم تواجه خطرا اكبر مما كان يهددها قبل غزو العراق, في حين ان المحافظين الجدد ركزوا في المواقف المعلنة على ان الولايات المتحدة ستكون اكثر امنا اذا نفذت غزوها للعراق.‏

وفي محاولة لامتصاص ردود الفعل الغاضبة والاخذة بوتيرة متصاعدة, قدم زعماء الحزب الجمهوري نصائح للرئيس بوش لاحداث تغييرات في بعض الوجوه التي تم استهلاكها في عملية تجميل بوجه الادارة دون الغوص في العقد المفصلية فيها او استبعاد اي من المسؤولين عن المأزق الذي انتهى اليه مشروع الانتشار الاميركي عالميا.‏

وان ما نجم وينجم من خسائر بشرية في صفوف القوات الامريكية وتجاوز فترة الحرب لزمن لم يكن ميسورا التكهن به, بدأ يترك تأثيرات واضحة تمثلت بارتفاع اصوات زعماء الكونغرس بمن فيهم بعض الجمهوريين ومن المسؤولين في ادارات سابقة, وقادة عسكريين متقاعدين, كل ذلك ادى الى كشف ظهور الاستراتيجية الامريكية واثر بشكل غير مسبوق على شعبية بوش وعلى فرص الحزب الجمهوري في الفوز بالاغلبية في الانتخابات التكميلية نهاية العام الحالي.‏

ولو كان بوش جادا في اتخاذ الخطوة الصائبة لتعديل سياسته العراقية, لكان قد اتخذ قرارا باقصاء نائبه ديك تشيني ووزير دفاعه رامسفيلد او كليهما معا, كاستجابة للدعوات المتزايدة بعزلهما بسبب مسؤوليتهما المباشرة فيما آل اليه الوضع في العراق, لكن بوش و لكي يقطع الطريق على اي تفسيرات بشأن استقالة المسؤولين الثلاثة, فقد اشار الى انه يتفهم ان الحرب على العراق لاتحظى بتأييد الشعب الاميركي, لكنه استدرك ان الفشل ليس امرا واردا لانه يعني ان التهديد سيكون مباشرا.‏

وهنا يتجسد المأزق الاميركي, فبقاء القوات الامريكية في العراق امر ينطوي على مخاطرة وصعوبات كبيرة, بسبب النزيف المترتب على ذلك بشريا وماديا وتنامي حالة العداء لدور الولايات المتحدة دوليا وانحيازها الواضح ضد الامة العربية وقضاياها المصيرية وخاصة في فلسطين.‏

اما الانسحاب فأمر يحمل نذر اخطار اكبر من البقاء لابسبب ما اسماه بوش بالتهديد المباشر وانما لان الانسحاب يعني هزيمة المشروع الاميركي ونكسة لهيبة الولايات المتحدة التي ظلت حريصة على اثبات تفردها في الساحة الدولية كمركز استقطاب وحيد لم يعد ممكنا لاحد ان يتصدى له.‏

ان الاستراتيجية الامريكية لا ترسمها معاهد استطلاع الرأي( على اهميتها) بل تضعها مراكز الدراسات والشركات الكبرى وبيوت المال ومصانع السلاح, وعلى هذا فان الرئيس الاميركي ( اي رئيس) انما يأخذ على عاتقه خلال الفترة التي يقضيها في البيت الابيض انجاز صفحة او اكثر على وفق ما يمتلك من اقتدار وعزيمة في قيادة البلاد, مما يجعل ما يجري في العراق امتحانا لقدرة بوش في انجاح استراتيجيته مهما تكبدت الولايات المتحدة من خسائر وقدمت من تضحيات, وعلى هذا فان افتراض انسحاب اميركي مبكر يعد امرا مستبعدا خاصة وان غزو العراق يحمل اهدافا مركبة الاغراض فالعراق من ناحية يطفو فوق اكبر احتياطي نفطي في العالم في زمن تعاظم الحاجة الى النفط كمصدر رئيسي للطاقة الى ان يتم التحول الى مصدر بديل.‏

ثم ان العراق اريد له ان يكون المحطة الاولى التي سينطلق منها قطار مشروع الشرق الاوسط الكبير الذي يمهد الارضية السياسية والنفسية لدمج اسرائيل فيه كشريك لا يمكن الاستغناء عنه.‏

فكيف يمكن تصور انسحاب اميركي في ظل مثل هذه الظروف التي سيعد فيها انكفاء امريكيا وسيضع اميركا في الوضع الذي يمكن ان تتمرد عليها قوى كانت تتحرك ضمن محورها, وتنقاد لاوامرها بمجرد اشارة اميركية , ويمكن من هذا كله ان نفهم دوافع التصريحات التي ادلى بها عدد من المسؤولين الاميركيين السابقين مثل بريجينسكي ومادلين اولبرايت, فهذه التصريحات تصب في خانة الصراع الحزبي بين الجمهوري والديمقراطي من جهة وتؤشر الى وقوع خطأ استراتيجي ارتكبته ادارة بوش حينما انساقت وراء اوهام القوى ولم تأخذ الامر عدته الكاملة من جهة اخرى... وبالتالي فان الديمقراطيين يريدون سحب البساط من تحت اقدام الجمهوريين واذا ماعادوا الى البيت الابيض فاننا سوف لن نفاجأ اذا ما واصلوا النهج الذي بدأه بوش.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية