|
مجتمع
وقد أصبحنا نشاهد الأحداث مباشرة، أولا بأول، وأصبحت الفضائيات من الموضوعات التي تشغل اهتمام الأنظمة السياسية والرأي العام، لأنها من أحسن الوسائل للاتصال بالجماهير والتي تجذب نسبة عالية من المشاهدين . ويعكس انتشار الأطباق الهوائية في الدول العربية قوة حضور التلفزيون كوسيط أعلامي، والمكانة الخاصة التي أصبح يحتلها في حياتنا المعاصرة فقد دخل كل منزل وأصبحنا مدمنين على مشاهدة المواد الإعلامية التي تقدمها القنوات الفضائية والتي تتوجه إلى مختلف فئات المجتمع المثقف والأمي، الميسور والفقير، الكبير والصغير، وتزداد متابعة البرامج التلفزيونية في العالم العربي بسبب وقت الفراغ وزيادة نسبة الأمية وغياب بدائل أخرى لتصريف الوقت، ولم يعد التلفزيون وسيلة للترفيه والتسلية فقط وإنما وسيلة لا غنى عنها لتوجيه الناس ونقل القيم والأفكار والمعتقدات وتوصيل ونشر الثقافة . وقد أكدت التجارب أن لهذا الوسيط الإعلامي دوراً خطيراً في توجيه الرأي العام، فجل المواد التي تعرضها الفضائيات لها تأثير مباشر أو غير مباشر على الفرد، فهي تطمح إلى خلق اتجاه فكري معين يتناسق مع السياسة التي تحكمها. وهكذا صارت الفضائيات جزءاً من الأحداث ومن حياة الناس فهي توجه آراءهم ومواقفهم وهم مستسلمون لسلطة الصورة فهي التي تصوغ لهم مسار رؤيتهم من خلال التركيز على مواضيع دون أخرى، فالفضائيات أكثر دهاء أو ذكاء واقل التزاما بالمعايير المهنية، وقد تتحول إلى أبواق سياسات معينة تحت ضغط أصحاب الإعلانات أو الشخصيات النافذة . ولكن هذا لا يلغي مشهداً من القنوات الفضائية التي أتاحت مجالا واسعا للحريات، وسعت إلى إسماع صوت الضعفاء في المعادلة الإعلامية، ونافست بذلك الإعلام المضاد الذي احتكر الساحة الإعلامية لمدة طويلة، والذي كان يميل إلى التسطيح والاستخفاف بعقل المشاهد. لكن التحولات التي جرت في المشهد الإعلامي العربي ليست كلها مفيدة بل لازالت تعكس عجز الكثير من القنوات على تبني خطاب يرقى بالوعي السياسي لدى المواطن العربي،بل كانت بعض تلك القنوات محرضا وعاملا أساسيا في تشويه الحقائق وبث الفتن والتطبيع الممنهج مع الكيان الصهيوني وتكشف أيضا عن حجم الفجوة الرقمية بيننا وبين الغرب. وبالرغم من إن الفضائيات العربية لا تزال في بدايتها -على الأقل في معظمها- مقارنة بالفضائيات الغربية،إلا أن تلك الفضائيات كان لها دور كبير في صناعة الرأي العام وتعتمد في ذلك وسائل وطرقاً متعددة من خلال التركيز على معلومات معينة وإقصاء أخرى وبذلك تكون قد انتقلت من وسائل لنقل الخبر إلى أدوات للتضليل وتحريف الحقيقة وفق خطة محكمة تحت ضغط أصحاب المال والسياسة. وصار الإنسان العربي يسأل نفسه بعد التعرض لهذه القنوات أين هي الحقيقة؟ وهو استعمار من نوع جديد يحتل العقل العربي من خلال قصفه بمضامين إعلامية ليس لخدمة الحقيقة وإنما لخدمة مصالح معينة على حساب النزاهة والموضوعية .ولعل مايسمى بالثورات والقائمة في الوطن العربي بادعاء الحرية أوضحت خطورة الدور الذي تقوم به الفضائيات في توجيه الرأي العام والتأثير في سير الأحداث، فهي تسمح بتقديم الرأي المعارض والأفكار التي كانت محرمة، بل ثبت حتى التدخلات التي يمكن أن توصف بأنها متطرفة، وعملت على تشكيل اتجاهات جديدة،اتسمت في غالبها بالعنف والتطرف وإقصاء الآخر الذي يخالفها الرأي بحجة كسر المحرمات وحواجز الخوف فكانت النتيجة الغرق بالفوضى والقتال وصناعة رأي عام ضبابي ومشتت وفي الغالب مزيف. |
|