|
الأربعاء 5-3-2014 والقوى الصاعدة في الشرق الآسيوي، بعد اختلال في موازين القوى ساد لاكثر من عقدين من الزمن بعد انتهاء حقبة الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي واستفراد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم بقبضتين من الحديد والنار، روعتا العالم وحولتاه - خصوصا في منطقتنا – إلى حقل تجارب للسلاح الأمريكي الحديث الذي ازدهرت صناعته، وصار بفعل التطور التكنلوجي قوة قاهرة تضرب بذراعها في كل اتجاه ! ولأن التاريخ لم يكن منذ الأزل ساكناً أو جامداً، فإن تراكماً جديداً للقوة بدأ يعبّر عن نفسه في مكان آخر من العالم، بعد أن أعاد النظر في بنيته الاقتصادية، وأعاد ترتيب أوراقه الاستراتيجية، ومسح الغبار عن مخزونه القديم من السلاح، وأدار محركات مصانعه العسكرية من جديد، وقرأ جيدا خريطة مصالحه شرقاً وغرباً، ثم جلس على كرسي الأقوياء في مجلس الأمن، واستعاد من جديد حقاً كاد يسقط من ذاكرته طوال أكثر من عشرين عاما، هو حق النقض أو «الفيتو» الذي لا يمكن استخدامه دون قوة تحميه وتيسر له نبرة التحدي، حتى ولو كان على الطرف الآخر من الطاولة رموز الامبراطورية الأطلسية بضفتيها، وفي مقدمتهم حارس المرمى الأمريكي المأخوذ بنشوة القوة والمهارة في صد الاهداف التي قد تقترب من مرماه ! منذ أن استعاد الاتحاد الروسي الصديق بالتكافل والتضامن مع المارد الصيني، حقهما في نقض مشاريع القرارات الأطلسية في مجلس الأمن قبل أكثر من عامين من اليوم، منذ ذلك الوقت والعالم يتنفس هواءً أكثر نظافة، باعتبار أن توازنات العالم بدأت بتعديل ثقلها، و باعتبار أن الأحادية الطاغية في ترتيب شؤون الكون باتت مهددة، فمصالح القوى العالمية ليست واحدة، ونظرتها للأزمات الدولية الطارئة ليست واحدة، الأمر الذي يعني أن العالم بات اليوم على مفترق طرق، فإما الشراكة العادلة في تأمين مصالح الدول والأمم، ومعالجة الأزمات الدولية في كل مكان بالطرق السلمية وميزان العدل، أو التصادم مع كل ما يترتب عليه من مخاطر كونية قد تذهب الى آخر حدود الكارثة! سورية كانت حاضرة بقوة في صناعة ساعة هذا التحول الكبير في الساحة الدولية، من خلال أزمتها أو الحرب عليها حفزت موسكو وبكين على اعلان موقعهما الجديد في صياغة الخارطة الجديدة لتوازن القوى الدولية، ومن خلال استبسالها في الدفاع عن سيادتها واستقلالها استطاعت أن تثبت أن الدول ذات الأهمية الجيوسياسية قادرة على قبول التحدي والذهاب مع حلفائها وأصدقائها إلى حافة الهاوية مع الجبابرة الذين يخطئون في الحساب ويركبون رؤوسهم الحامية في ميادين الحرب والسلام على السواء، ثم يقلّبون خياراتهم ويتحكمون في اللحظات الأخيرة بأي ذريعة تعصمهم من معصية إشعال الجحيم في عالم تكون فيه الخسارة شاملة والهلاك من نصيب الجميع! في أوكرانيا اليوم نقلة جديدة باتجاه تعجيل المخاض في رحم المتغيرات الدولية التي تتشكل على إيقاع الميدان السوري، فكييف هي الحديقة الخلفية لموسكو، واللعب فيها بالنيران الطائشة سوف يزيد من فرص التصادم، لأن فلاديمير بوتين لم يعتد على القرارات التي تحتمل عدة وجوه، وحركته على الأرض تسبق توقيعه على الورق، ومن المياه الدافئة في شرق المتوسط إلى شبه جزيرة القرم على البحر الأسود، اتسع قوس المواجهة، ولا مجال للتراجع عن واحد من خطوطها، ومن يعتقد العكس فلينتظر زهر الربيع القادم، ليتحقق من روائح العطر ! |
|