تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الجيش الإسرائيلي يزيّف الواقع

هآرتس
ترجمة
الأثنين 21-3-2011م
ترجمة : ريما الرفاعي

اذا حاولت التجول سيراً على الأقدام في مدينة الخليل، فسوف تصاب بدرجة كبيرة من اليأس. وسوف ترى في منطقة الحرم الابراهيمي، عند طرف الباحة المحاطة بجدار منخفض، الدمار والخراب،

وخاصة عملية الفصل غير المنطقية بين السكان العرب واليهود.  سوف تلاحظ بضعة أطفال عرب في وضع مزرٍ، يشتمونك في البداية، ولكن اذا تبسمت لهم سوف يطلبون منك المال. وسوف يزداد يأسك عندما تدخل الى الشارع الرئيسي الذي يبدو كأنه مقتطع من مشهد نهاية فيلم آخر الزمان. فالمحال التجارية في السوق مغلقة، ونوافذ البيوت مسدودة بشبك وقضبان، وثمة كتابات يهودية  عنصرية تحارب على الجدران كتابات اسلامية  وقومية، فنجمة داود تُمحى ليحل محلها الصليب المعقوف، والصليب المعقوف يُمحى ليصبح شعار حركة «اكهانا حي». وإمعاناً في هذا الوضع الشاذ والمأساوي، سوف تلاحظ كل بضعة أمتار موقعاً عسكرياً محصناً يقف عنده جندي مع سلاح جاهز للإطلاق، بينما عين الجندي ونظراته  تتحرك على المحور مترنحة بين الملل والتأهب .‏

    إن الخليل هي مثال حي ، أو بالأحرى ميت ، لما يمكن أن يبدو عليه مكان يائس، وللشكل الذي قد يتحول فيه اليأس الى موت. وبالنسبة للزائر الى المدينة، فإن هذه المشاهد تضرب العينين. كل مشهد  يثير فيك تداعيات ينبغي محاربتها، ولكن قد لا ينجح ذلك دائما.‏

ويبدو أنهم  في الجيش الاسرائيلي أيضاً لديهم هذا الشعور بالاختناق الذي تثيره  أي زيارة للخليل. وقد اتخذ  الجيش قراراً بضرورة تغيير «منظر» المدينة. وبحلول منتصف هذا العام، ستكون هناك محاولة لنزع الصبغة العسكرية عن عدة مواقع تشتمل من جملة ما تشتمل عليه على تركيب شبكات ساترة من الحديد، على نحو يجعلها تندمج في جمالية المباني المحلية في المدينة. وبحسب مصدر عسكري، فإن  المقصود هو اعادة بناء المواقع بحيث يكون لها منظر طبيعي مندمج مع معالم المدينة. وعلى سبيل المثال، سيكون للمواقع بدل المواقف الحديدية ساتر من الحجارة، ما يجعلها تندمج في المشهد المحلي، وبحيث لا يشعر الناس أنهم يعيشون داخل قاعدة عسكرية، وهو اجراء يستهدف استدعاء الحياة الطبيعية وخفض الصورة العسكرية‏

وقرار الجيش هو في الأساس اسرائيلي جدا، يشتمل على عدد من الفروض والاستنتاجات التقليدية للمكان والعصرنة. الفرضية الاولى هي أن الواقع لا يمكن تغييره جذرياً، والفرضية الثانية هي أن الواقع يتسبب في ضرر بشأن العلاقات العامة، والثالثة أن هذا الضرر يتعلق بجمالية المكان. وبناء على ذلك، فإن الاستنتاج الرئيسي من كل ذلك هو ان  ثمة حاجة الى تغيير شكل رؤية الناس للواقع، وطبعا دون أدنى تفكير بتغيير الواقع نفسه.‏

اليوم، وقد تم تقييم الوضع بناء على منطق العلاقات العامة، فإنه سيتم استخدام  الطاقة والوسائل كلها في العملية الجراحية التجميلية، رغم أن المريض يعاني ورما خبيثا. سيكون من الممكن في نهاية العملية التجول في المدينة من غير أن نعثر على كثير من المشاهد المؤذية للعين . وعندما يأتي طلاب اسرائيل لجولة تراث في مدينة الآباء، سوف يشاهدون مواقع صغيرة غريبة على طول الشارع الرئيسي  لكن الساتر الحجري سيثير فيهم رائحة محلية فيتابعون طريقهم من غير أن يقفوا عند المنطقة المظلمة أكثر من اللازم.‏

وهذه الطريقة في التفكير تشير الى معنى مصطلح «الدفاع» عند «جيش الدفاع الاسرائيلي». فالدفاع، بحسب المعجم الاسرائيلي، هو في الأساس إخفاء الواقع. والقوة المسيطرة تدفع المشكلة الى مكان لا يمكن مشاهدته. ومن إجل نجاح هذه العملية، تصبغ القوة المسيطرة نفسها بألوان المكان وتختفي تحت جنح الظلام، بينما يبقى الواقع كما كان، مجنوناً ويهدد بالانفجار.   ‏

 بقلم: ألون عيدان‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية