|
ترجمة ومطالبة هذه الدوائر حكومة نتنياهو بالعمل على استباق ما يجري في الوطن العربي من ثورات عارمة عبر مبادرات تهدف إلى دفع عملية التسوية مع الفلسطينيين إلى الأمام، جاءت عملية مستوطنة اتيمار التي أدت إلى قتل خمسة مستوطنين، حيث كشفت هذه العملية إلى حد بعيد ان الصراع العربي- الصهيوني وخاصة على الصعيد الفلسطيني بعد اتفاقيات اوسلو قد أنتج وضعا يقوم في جانبه على منظومة استيطانية تتصرف أصلاً وفق قواعد الاستيطان الصهيوني الأصلية. وأتاح ذلك بناء العشرات من المستوطنات غير الشرعية وتطويرها على قاعدة قوانين الاحتلال التي تتنكر لجميع المواثيق الدولية التي تعترف بالحقوق التاريخية والوطنية للفلسطينيين. ورغم مطالبات كثير من القانونيين في العالم وحتى في الكيان الإسرائيلي بإلغاء جميع الإجراءات الاحتلالية في الأراضي المحتلة وفي مقدمتها عدم شرعية الاستيطان وعدم تغيير الوضع القائم قبل الاحتلال.فلم تكتف جميع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بصم أذنيها لهذه المطالبات وإنما أطلقت العنان لقطعان المستوطنين ومنحت لهم الحماية العسكرية الكاملة لجميع ممارساتهم من قتل وتدمير واستيلاء على الأرض والممتلكات وما يدور الآن في القرى الجنوبية لمدينة نابلس وخاصة القرى المحاذية لمستوطنة اتيمارمن محاصرة مواطنيها والاعتداء عليهم خير دليل على ذلك. الرد على مقتل المستوطنين وبحسب محللين إسرائيليين، فإن اليمين الإسرائيلي المهيمن وحكومة نتنياهو وجدت في عملية اتيمارفرصة للتعبير عن نفسها في اتجاهين الاول إظهار الكيان الإسرائيلي بأنه الضحية وسط منطقة تموج بالتغييرات وانه الوحيد الذي يمثل «جزيرة ديمقراطية وسط هذا المحيط المعادي» على حد تعبير رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي، والاتجاه الثاني يتمثل بأنه ليس هناك من رد على هذا العداء سوى الاستيطان لذلك سارعت حكومة بنيامين نتنياهو إلى توجيه أصابع الاتهام لسلطة محمود عباس في رام الله في عملية اتيمار. ولم تفاجئ حملة نتنياهو هذه أحداً في الواقع لأنها تقع في صلب الصراع، المتعدد الأوجه، القائم بين إسرائيل والشعب الفلسطيني. ففي ظل احتدام الثورات العربية ومخاوف إسرائيل من المستقبل، وفي ظل اعتبار الشهور المقبلة فترة حسم سياسي تحاول حكومة نتنياهو تسجيل نقاط ضد السلطة الفلسطينية. فعلى اثر العملية المذكورة، عقد نتنياهو، اجتماعاً طارئاً للّجنة الوزارية لشؤون الاستيطان بمشاركة وزير «الدفاع» إيهود باراك والوزيرين موشي يعالون وبيني بيغين ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أمير كوخافي ورئيس المخابرات العامة «الشاباك» يوفال ديسكين لإقرار خطوات ترضي المستوطنين.وأفاد مراسل هآرتس للشؤون الاستيطانية أن نتنياهو طلب من باراك المصادقة على بناء مئات الشقق السكنية الجديدة في مستوطنات مختلفة كان الأخير، بصفته المسؤول الأول عن الاحتلال، أرجأ في الأشهر الأخيرة المصادقة عليها لتفادي مزيد من الانتقادات الدولية. وستقام الشقق الجديدة في مستوطنات غوش عتسيون جنوب القدس، ومعاليه أدوميم شرق المدينة، واريئيل في قلب الضفة الغربية، وكريات سفار قرب قرية بلعين غرب رام الله. وذكرت تقارير صحافية ان المجتمعين ناقشوا اقتراحات مختلفة بينها إقامة مستوطنة جديدة أو توسيع مستوطنة إتيمار أو البناء في المستوطنات المعزولة، أي تلك المنتشرة في قلب الضفة الغربية. علينا تغيير المعادلة القائمة وأبلغت إسرائيل الولايات المتحدة قرارها بالبناء الجديد، وأطلع نتنياهو وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون على قرار اللجنة الوزارية لشؤون الاستيطان، خلال مكالمة بادرت إليها الأخيرة لنقل تعازي الولايات المتحدة. وأعلن باراك ان القبضة الحديدية للجيش الإسرائيلي والشاباك ستلقي القبض سريعاً على الفاعلين. وأضاف ان أمن إسرائيل ومستقبلها وحدودها «ستتبلور على أيدينا». ولم يكتف وزير الداخلية زعيم حركة «شاس» الدينية الشرقية ايلي يشاي بهذا العدد من الوحدات السكنية، وطالب ببناء خمسة آلاف شقة جديدة، وقال زميله في الحركة وزير الإسكان والبناء ارئيل أتياس، إنه «يجب تغيير المعادلة القائمة (تجميد البناء في المستوطنات) من خلال تكثيف البناء في القدس ويهودا والسامرة (الضفة الغربية)، والآن هو الوقت الملائم. وتنافس وزراء آخرون فيما بينهم للتحريض على السلطة الفلسطينية وعلى عموم الفلسطينيين.واعتبر رئيس مجلس المستوطنات في الضفة الغربية داني ديان قرار البناء «خطوة صغيرة في الاتجاه الصحيح»، مضيفاً أنه يجب إقرار بناء آلاف المنازل الجديدة، وبناء حي جديد في مستوطنة اتيمار يحمل اسم القتلى الخمسة. 400 وحدة استيطانية جديدة وبحسب تقرير أعدته صحيفة يديعوت احرونوت جاء فيه ان اللجنة الوزارية لشؤون الاستيطان أكدت على إقامة 400 وحدة سكن في المستوطنات – ردا على العملية في اتيمار. وقد اتُخذ القرار في نقاش اللجنة الذي بادر اليه نتنياهو.وسيتم البناء المُقر على مرحلتين: في المرحلة الاولى سيُبنى 408 وحدات سكنية على النحو التالي – 200 وحدة في موديعين عيليت (كريات سيفر)، 100 وحدة في اريئيل مخصصة لمستوطني غوش قطيف السابقين؛ 60 وحدة في معاليه ادوميم، واستبدال 48 كرفان في كفار الداد بمبانٍ دائمة. وفي المرحلة الثانية، التي ستتم في غضون عدة أسابيع، سيُقر على الأقل بناء 100 وحدة سكن أخرى. وتابع التقريربانه طُرحت في النقاش عدة بدائل لخطة البناء في المستوطنات ردا على العملية. أحد الاقتراحات كان إقامة مستوطنة جديدة تماما في الضفة، خلافا لكل التعهدات التي قطعتها اسرائيل على نفسها أمام الادارة الأميركية. اقتراح آخر، من الوزير يعلون، كان توسيع مستوطنة اتيمار وإقرار بناء إضافي في عدة مستوطنات منعزلة. وأخيرا أُخذ باقتراح نتنياهو وباراك لإقرار بناء في الكتل في مشاريع انتظرت الإقرار منذ قبل التجميد. وقال نتنياهو مؤخرا في أحاديث مغلقة انه منذ نهاية التجميد لم يُقر تقريبا بناء في الكتل الاستيطانية الكبرى، بينما استؤنف البناء في المستوطنات الصغيرة، وعليه فثمة حاجة لإصلاح ذلك قرار استراتيجي. مصدر في مكتب رئيس الوزراء قال «ان هذا قرار استراتيجي – البناء في الكتل الاستيطانية التي ستبقى في يد اسرائيل في كل اتفاق مستقبلي». ومع ان خطة البناء المقرر عرضت كبناء في الكتل، ينبغي التشديد على ان كفار الداد تقع شرقي مسار جدار الفصل وعنقود المستوطنات الأساسية في غوش عصيون. ويسكن في المستوطنة رئيس الائتلاف النائب زئيف الكين من الليكود، وهي تقع في جوار شديد من مستوطنة نوكديم، حيث يسكن وزير الخارجية افيغدور ليبرمان. وخلص التقرير انه في الجلسة عرض مدير عام وزارة الشؤون الاستراتيجية، يوسي كوبر فاسر، ما اسماه التحريض الفلسطيني. وادعى كوبرفاسر بأن التحريض في السلطة في ميل ارتفاع. في هذا السياق روى نتنياهو عن حديثه مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس: «أبو مازن قال لي انه حتى لا يسمح بالألعاب النارية. قلت له ان المشكلة هي انه يسمح بالألعاب النارية اللفظية، وهذا يمكنه ان يضر أكثر بكثير». وقال نتنياهو للوزراء انه يعتزم نشر معطيات التحريض الفلسطيني في أوساط أصحاب القرار في الولايات المتحدة وفي الاتحاد الأوروبي كي يضغطوا على الفلسطينيين لمعالجة الموضوع. وقال «لم أسمع أي مرة من السلطة الفلسطينية كلمة طيبة عن دولة اسرائيل. نحن نشهد أقوالا تقشعر لها الأبدان. يوشك على ان تجري مباراة كرة قدم باسم «استشهادية» قتلت عشرات الأشخاص في شارع يافا في القدس. السلطة الفلسطينية تقدم منحاً دراسية لعائلات قتلة وتسمي الميادين على أسمائهم. هذا لا يستوي مع تعاليم السلام. تجاوز القوانين السائدة الصحافة الإسرائيلية تناولت هي الأخرى العملية من منطلق تحريضي، بالرغم من ان بعض التحليلات قد ألقت اللوم على حكومة نتنياهو جراء ما أسمته الفشل بالتوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين إلى جانب ما تمنحه هذه الحكومة من حماية كاملة للمستوطنين وتسمح لهم بتجاوز ما أسمته «القوانين السائدة في المناطق المحتلة». فقد كتب ناحوم بارنيع في يديعوت احرنوت يقول:«وزراء الليكود عقبوا قرار توسيع الاستيطان ببيان تأييد حماسي. وبرزت على نحو خاص بيانات وزير المواصلات كاتس ووزير الشؤون الاستراتيجية يعلون. من يقرأ البيانات يمكنه ان يفكر بأنه حتى نهاية الأسبوع الماضي دار في الحكومة صراع مرير على البناء في الضفة الغربية» يهودا والسامرة». الوزراء ضغطوا، هددوا، استجدوا ولكن باراك ونتنياهو إحباط مساعيهم. الحقيقة، بالطبع، مختلفة تماما. مسألة البناء في المستوطنات أشغلت حقا بال المستوطنين وحدهم. وانضمام الوزراء إلى لوبي البناء الآن ينبع من حاجتهم لان يقولوا شيئا وطنيا، فاعلا في ضوء العملية، وبالطبع لاعتبارات سياسية باردة: لمؤيدي المستوطنين يوجد نفوذ لا بأس به في مركز الليكود. مما يبقينا نحن مع نتنياهو. السؤال ما هو الصحيح لإسرائيل عمله في المناطق يرافقه منذ أن قرر التوجه إلى السياسة. وقد فكر بحلول مختلفة، كلها تنطوي على تقسيم إقليمي. أي من الخيارات التي فكر فيها لم يضم اتيمار، المستوطنة التي تقع في قلب السكان العرب، بين بيت فوريك وعورتا. وقال لي في ولايته الاولى كرئيس للوزراء: «انتبه، أي مستوطنة لا أزور». فهو لم يسافر إلى المستوطنات في قلب الضفة لأنه اعتقد بأنها جزء من المشكلة وليس جزءا من الحل. يد اليمين هي العليا عكيفا الدار كتب حول الموضوع في هآرتس يقول:«هذه المرة أيضا، مثلما هي الحال دوما، يد اليمين هي الأعلى. عندما تحبط السلطة الفلسطينية عمليات والمناطق المحتلة هادئة – من يحتاج إلى شريك فلسطيني؟ لماذا نحتاج إلى إخلاء بؤر استيطانية وتجميد البناء في المستوطنات؟ ما الذي ينبغي ان يحصل أكثر كي نفهم، بأنه لا شريك فلسطينياً؟ مع هؤلاء الأشخاص، الذين ينشرون كراهية اسرائيل، أنتم تريدون صنع السلام؟ فلنأخذ نحن لهم الأراضي وهكذا دواليك. يوسي بيلين كتب بدوره في اسرائيل اليوم يقول:«العملية في اتيمار قد تكون إشارة لاستئناف العنف في الضفة الغربية وقد تكون أيضا حدثا لن يكون له تواصل. بعض من قادة المستوطنين استخلصوا منذ الآن استنتاجات سياسية ودعوا إلى وقف كل اتصال سياسي مع رؤساء السلطة الفلسطينية، ووضع حد للتنسيق مع محافل الامن في السلطة وإعادة الحواجز التي أُخليت في الضفة الغربية في الأشهر الأخيرة. هذا بالضبط ما أراده منفذو العملية: إحداث تراجع في ما حصل في السنوات الأخيرة – هدوء أمني، تسهيلات معينة في الحياة اليومية في الضفة وتطبيع جزئي، الذي يرى المتطرفون فيه لعنة. وتابع بيلين يقول:«أحد لا يمكنه ان يكون واثقا بأنه يمكن منع اندلاع العنف في الضفة. فقد أعرب عشرات آلاف الفلسطينيين، في الفيسبوك، عن تأييدهم لانتفاضة ثالثة. موجة الثورات في العالم العربي تفعل فعلها، والجمود السياسي المطلق يساهم بنصيبه؛ انعدام الرضى عن الشرخ الفلسطيني الداخلي يشدد فقط عدم الارتياح. يُحتمل، لا سمح الله، ألا يمُنع استئناف العنف حتى لو ضبطت اسرائيل نفسها. ولكن دور القيادة، في هذه اللحظة، هو الوقوف في وجه كل مطالب تصعيد البناء في المستوطنات ووقف التعاون والتسهيلات في المناطق لمنع إشعال نار كبرى لا يعرف أحد كيف يطفؤها.قرار الحكومة إقرار بناء بضع مئات من وحدات السكن في الضفة هو رد متوقع ومغلوط. الإقرار يعزز فقط الإحساس بأن الاستيطان هو العقاب للفلسطينيين. |
|