تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الشاعر حسن إبراهيم الحسن: المتلقي منتج آخر للنص.. يشارك الكاتب تأويله

رسم بالكلمات
الأثنين 21-3-2011م
حاوره: رشيد عباس

حسن إبراهيم الحسن شاعر استطاع أن يوقّع اسمه بامتيازٍ في المشهد الأدبي الثقافي في سورية و ربما إلى حدّ ما في المشهد العربي رغم الازدحام الكثير بالأسماء. هو من مواليد 1976 يقيم في حلب.

حاصل على عدد من الجوائز العربية والسورية، له مجموعتان شعريّتان: الأولى بعنوان ( المبَشَّرون بالحزن ) صادرة عن دائرة الثقافة والإعلام– حكومة الشارقة 2008 إثر فوزها بجائزة الشارقة 2007- 2008 , والثانية بعنوان( ها أنت وحدي ) فائزة بجائزة دبي الثقافية 2007‏

وقد صدرت مؤخراً عن دار النهرين – سلسلة شباب النهرين 2010 .‏

يجد المتتبع لتجربته الشعرية في مجموعتيه أن بنية النص مشحونة بعاطفة إنسانية، ومستندة إلى رؤية واضحة تشكّلان معاً رؤيا الشاعر الجميلة تجاه الواقع والحياة. وإذا كان الشعر في إحدى خصائصه يقيم علاقة بين شعرية اللغة وشاعرية المبدع، فإنّ هذه العلاقة تتجلّى بوضوح وتأخذ بعداً جمالياً في تجربة الشاعر حسن إبراهيم الحسن.‏

في حلب التقيته وكان لي معه هذا اللقاء:  ‏

 أنت شاعر الذكريات واللحظات الهاربة، تتجه في الكثير من شعرك نحو ذكريات الطفولة وتوظفها شعرياً بإتقانٍ جميل، إلى أي درجةٍ تؤثّر فيك هذه الذكريات؟‏

  في البداية أرحب بك و أشكر جهدك ...‏

المرء يقضي جزءاً كبيراً من حياته وهو ينظر إلى الأمام/ إلى المستقبل؛ هذا الجانب المجهول، لكنه في مرحلة ما يقف برهةً وينظر إلى الخلف/ إلى ذكرياته، في هذه اللحظة تتحول الذكريات إلى أندلسٍ ما، و يتحول المرء إلى عبد الله الصغير, وهنا أقول بأنّ هذا المُلك- الذي لا يمكن أن يُستعاد - يستحقُ رثاءً يليق بسقوطهِ.‏

ما يمكن أن أشير إليه هو أني لم أشأ في البداية أن أحتفي أو أرثي أو حتى أوظّف تلك اللحظات الهاربة من العمر، لكني انتبهت في مرحلة ما بأنها أصبحت إحدى سمات نصوصي، خاصة عندما لفتت انتباهي إحدى أخواتي بأني أكتب سيرة ذاتية، من هنا اكتشفت منجم الذكريات الذي غالباً ما أنهل منه مادتي الشعرية ، لكن عن غير سابق إصرار.‏

 شكواك من الوحدة كشكوى أيّ شاعرٍ هي تعبير عن حالة الاغتراب التي نعيشها في هذا الزمن الزئبقيّ، لكن إلى جانب ذلك تعيش وحدةً حقيقية لأنك وحيد في أسرتك من الشباب. أيّهما تعذّبك أكثر، وتؤثّر في نصّك الشعريّ؟‏

  كانت تؤرقني وحدتي عندما كنت طفلاً أنتمي إلى مجتمعٍ ريفي يحتفي بالذكورة من خلال الصراع على البيادر أو المراعي ... لكن الآن و بعد مرور أكثر من عشرين عاماً على إقامتي في هذه المدينة الباردة لم أستطع خلع عباءة البدوي، « أنا ذلك البدوي تسكن خيمةٌ في أضلعي/ و ربابتي في الليلِ مطلقةُ العنانِ » على حد تعبير الشاعر صلاح إبراهيم الحسن. أضف إلى ذلك مرحلة المادية التي نعيشها، إذ لم يعد هنالك من يؤمن بالروحانيات، مع أن العلم يؤكد وجود حيز في النفس لا يملؤه إلا الروحانيات؛ الشعر، الموسيقا، الدين، الحب ... كل ما سبق لا بدّ أن ينجم عنه شعورٌ بالوحدة، و بالنهاية لا بد أن يظهر في النص إن لم يكن محركا له.‏

 إلى أيّ مدى يعيش معك هاجس الشعر والأدب؟‏

  الشاعرية صفة من الصفات الكثيرة المرتبطة بشخصية الكائن البشري و في حال وُجِدت هذه الصفة ستكون ملازمة و متماهية مع الشخصية ولا يمكن فصلها، و في هذه الحالة سيكون الأدب و الحياة خطين متوازيين.‏

  أنت شاعر محظوظ في جيلك بالحصول على الجوائز, فقد حصلت على جوائز كثيرة        ( أغلب الجوائز السورية، وبعض الجوائز العربية ) حبذا لو وضّحت العلاقة التبادلية بين المبدع والجوائز.‏

  على أي حال كل ذلك ليس مقياساً للشاعرية والتميز! الجوائز هي مسألة نشاط ليس إلا، إذ يوجد الكثير ممن لم يحصلوا على أي جائزة هم في الحقيقة أهم من حسن إبراهيم الحسن شعرياً‏

أنت تعلم بأن القصيدة أو المجموعة الشعرية التي قد تفوز بجائزةٍ ما، يمكن أن تخرج من المسابقة بمجرد تغيير أعضاء لجنة التحكيم ... لكني رغم كل ذلك أؤمن - إلى حد ما - بجوائز المجموعة الشعرية ( أقول إلى حد ما )، لأن القصيدة الواحدة غير كافية لتقييم شاعر واكتشافه كصوت خاص و متفرّد، لكنّ الشاعر الذي يمتلك عين الناقد يمكن أن يكون الأكثر حظاً في اصطياد الجائزة؛ في النهاية الجائزة يمكن أن تكون حافزاً إيجابياً و ربما سلبياً حين تنتج أدباً نمطياً لإرضاء ذائقة لجان التحكيم ... لكنها ليست مقياسا للشاعرية والتميز‏

 كنت مشاركاً في أمير الشعراء في دورته الثانية، والآن يُبث هذا البرنامج في دورته الرابعة - عبر قناة أبو ظبي الفضائية – ماذا تقول عن هذا البرنامج/ المسابقة ؟ أهي حالة صحية تدعم الشعر والشعراء أم محاولة لقولبة الشعر وتكريس نمط محدّد منه؟‏

  في البداية سأقول كلمة حق: برنامج أمير الشعراء كان يمكن أن يكون عكاظ أخرى لو أنه مضى بشكل تصاعدي ومدروس من خلال الاستفادة من أخطاء الدورات السابقة، لكن وللأسف الدورة الأولى كانت هي الأفضل - بمعزل عن التصويت - و بدأ البرنامج بالانحدار دورة تلو أخرى، حتى إنه في الدورة الأخيرة ضمَّ مشاركين مبتدئين والكل لاحظ ذلك, وكي لا أُتّهَم بالازدواجية كوني أحد المشاركين بالبرنامج أقول:‏

كنت أعلم - و بشكل مسبق - آلية الانتقال من مرحلة إلى أخرى وأعلم بأن النصوص ستخضع للتصويت من خلال متابعتي للدورة الأولى، لكني خضتُ التجربة لأستفيد منها إعلامياً، و كنت أشعر- و بشكل مسبق-  بأن النتيجة ستكون كذلك، لكن كان لا بد من خوض التجربة من الداخل بالمشاركة وليس بالتنظير عن بعد.‏

باختصار: لا أنكر أني استفدت من البرنامج إعلامياً، لكني و كما قلت في مقابلة أخرى: أنا ضد إخضاع الشعر للتصويت لأن ذلك يعتمد على العامة، و كما تعلم فإن الأغلبية العظمى لا علاقة لها بالشعر(هذا موضوع اختصاص وليس انتقاصاً من المتابعين) خاصةً وأن الذائقة العربية في مجملها ذائقة تقليدية، تعتمد على القراءة السطحية للقصيدة وهي قراءة بعيدة تماماً عن النصوص التي تحمل رؤيا (بالألف الممدودة ) ألا ترى معي أن المتلقي يجب أن يكون منتجا آخرَ للنص، يشارك الكاتب في تآويل أخرى له. الكلام هنا طويل، وعليّ ألا أتشعب كثيراً, ما أريد قوله هو أن برنامج أمير الشعراء مسح الغبار عن ديوان الشعر العربي و قدمه للمتلقي كأي فن آخر, لكنه لم يقدم الشعر الحقيقي و إنما كرَّس النَظْم على حساب الإبداع، خاصة أن الجمهور يؤمن بكلام الناقد لأنه( أعني الجمهور ) غير مختص وغير قادر على قراءة النص فنياً، ثم أن النصوص لم تُقيَّم نقدياً، يجب على معدّي برنامج كهذا أن يعوا تماماً حركة الشعر الحديث، وأن زمن النظم والمديح ولّى، إذ ليس بالضرورة أن تخلق القضايا العظيمة أدباً عظيماً إذا لم يرتقِ النص إلى مستوى فني معين.‏

 في شعرك محاولة لإضفاء الفكر الإنسانيّ والحلم الإنساني على رؤاك، فمن إشاحة النظر عن طفلٍ ينقّب في النفايات عن فتاتٍ للرمق وهو يواري نفسه خجلاً، إلى هوامش من دفتر الحرب (أنثى من الغرباء تضمّد جرح الغريب/ تؤنّب فيه شقاوة طفلٍ هوى عن سياج الحديقة:/ كلْ خبزنا يا غريب/ ولا تورث الحقد لأبنائنا الآمنين ) ماهي المؤثرات التي تدفعك إلى هذا الحلم الإنساني؟‏

  هو ليس حلماً بمعناه الدقيق، ربما هي فطرة أو ايديولوجيا إنسانية تقف على الطرف النقيض من القبح في الحياة ، ... مثلاً : أنا أكره الحرب، و الآخر/ العدو هو أيضاً لا يحب الحرب، هنا لا بد من نزع بزة الحرب, و ارتداء الطين الذي يختصر المسافة بيني وبيني، وبيني وبين الآخر/ العدو, وهذا ما كان يحدث فعلاً عندما هجرت قريتي بسبب الثأر، كنا إذ نلتقي أنا و أصدقائي - الذين جعلهم ثأر القبيلة خصوماً لي - كنا نتبادل التحية و ننسى ما بين آبائنا من خصومة .‏

ما أريد قوله: إن كل ما هو قبيح، أو كل ما ألبسته الحياة ثوباً قبيحاً هو مؤثر و دافع إلى هذا الحلم الإنساني على حد تعبيرك، أحاول أن أعريه من أوراقه الزائفة وأقدمه شعراً.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية