تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


«البانة» مكافأة «للقفة» المليانة..والدراسة خوفاً من الضرب

الجولان في القلب
الأثنين 21-3-2011م
سوسن خليفة

لم أتجاوز العاشرة من عمري عندما كنت أحمل «القفة» الكاوتشوك وألحق البقرة كي التقط «الزبل» وأضعه في «القفة»

هكذا بدأت أم عماد شما الزعوري حديث ذكرياتها في قريتها الغافية بالجولان الحبيب وتابعت تقول: كنا نتشاجر مع بعضنا أنا ورفيقاتي من تسبق الأخرى وتمسك «الزبل» من الأرض والشاطرة التي «تعبي» أكثر من غيرها.‏

وعند العودة إلى المنزل تنتظرنا المكافأة على «القفة المليانة» وهي عبارة عن «بانة» أي علكة نظل طوال النهار نعلك بها، أما الذهاب إلى الحوش فحكايته مختلفة وتبدأ بربط الفستان الذي نرتديه على الخصر ونضع الخبز فيه ونأكل الهندبة والرشاد مع الخبز ونبقى في الحوش قبل موعد الغروب نلعب بالحجر، وكون قرية أم عماد بعيدة عن العين فقد كانت تذهب ورفيقاتها إلى العين لجلب الماء، وتشرح أم عماد كيفية الذهاب بالقول:‏

نأخذ «الدابة» ونضع بواسطة عصا تنكتين واحدة على اليمين والأخرى على اليسار حتى يصبح هناك توازن.. ولا تنسى أم عماد ابن الجيران وكيف كان ينتظرها حتى تملء الماء و«يجّفل» الدابة وحينها تقع التنكات ويذهب الماء وتعود أم عماد مرة ثانية إلى العين باكية لتملء الماء من جديد وتساعدها امرأة عند العين لتعبئة التنكات مرة أخرى.‏

وتعود الذاكرة بأم عماد إلى أيام «الخرجية» التي كانت تحصل عليها عندما يعود والدها من السفر كونه يعمل خارج القرية تأخذ «الفرنك» وتشتري المطعم والقضامة المالحة والحلوة وتقول: كنت أشعر بسعادة كبيرة كلما أخذت «الخرجية».‏

ولا تنسى أم عماد مشوارها إلى المراعي كي توصل البقرات إلى الراعي، ولا المدرسة التي كانت تذهب إليها وترتدي الصدرية السوداء والشنتة القماش.. وتقول عن الطريق: إنه جميل أرى الندى واسمع صوت العصافير وهي تزقزق، ضيعتنا جميلة وبيتنا من حجر وباطون، حديقته مزروعة بالبصل الأخضر والبطاطا والبندورة والفول، وكم يخطر على بالي جلستنا في «لب الدار» ونأكل البصل الأخضر مع المجدرة.‏

وعن أيام الدراسة تقول: كنت شاطرة ولم أتابع دراستي لأنني أصبت بالحصبة ولم أعد إلى المدرسة ولو كنت واعية في تلك الأيام لما تركت الدراسة لأنني كنت شاطرة، وحتى الآن أتذكر اسم الاستاذ سعيد الذي درسني في الصف الأول.‏

ويأتي أبو عماد ويشاركنا الحديث قائلاً: كنت في الصف الثامن وعندما نريد الدراسة نتمشى أيام الصيف في الطريق أو ننبطح على الأرض ونقرأ لأنه في تلك الأيام لم تكن الطاولات موجودة، وفي أحد الأيام كنت منبطحاً أقرأ في الكتاب وجاءت ابنة الجيران وقالت: صباح الخير عمو..!! نظرت إلى نفسي وحولي ولم يكن غيري في ساحة الدار وقلت مخاطباً نفسي أنا في الصف الثامن وتقول لي عمو.. نظرت إليها وقلت غاضباً: «شو بدك»، قالت: أريد أن استعير السلم للصعود إلى السطح.. فأجبتها اذهبي إلى أمي لتعطيك أياه.. لأنني انزعجت من كلمة «عمو» وللمصادفة فإن ابنة الجيران تلك هي زوجتي الآن وأم أولادي وقلت لها عندما خطبتها هل تذكرين عندما قلت لي «عمو» وقالت إنك تبدو أكبر من عمرك..؟‏

وما يذكره أبو عماد من أيام الطفولة: أنه بالرغم من قرب المدرسة إلى المنزل فهو ينزعج كثيراً من الاستيقاظ باكراً وكان يدرس خوفاً من أن يضربه الاستاذ وكان يدرس وينجح دون أن يعلمه أحد..‏

ويقارن أبو عماد تلك الأيام مع الوقت الحالي ويقول: ابني مدرس يقضي طول النهار يدرس حفيدي حتى يحصل على علامة 9 أو 10 ويختم أبو عماد حديثه بالقول: لم أدرس في مدرسة زراعية وإنما يوجد جانب المدرسة قطعة أرض كنا كطلاب نساهم في زراعتها ويقول ضاحكاً ولكن الاساتذة لم يطعمونا منها وأمنيتي أن تعود تلك الأيام وأعيشها من جديد في قريتي الحبيبة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية