تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


اختلاف الأزمان

أبجــــد هـــوز
الاثنين 21-3-2011م
معتصم دالاتي

والدي رحمه الله، الذي توفي في ثمانينات القرن الماضي لم تتح له مشاهدة التلفزيون إلا بضع سنوات أواخر حياته، حيث كان هذا التلفزيون مقتصراً على قناة سورية واحدة بالأبيض والأسود ودون شريط أخبار،

ولم يكن باستطاعته تغطية هذا الكم الوافر من أخبار العالم كما هو الآن، ومع أنه أي والدي عايش الحرب الكونية الثانية إلا أنه لم يكن يتلقف من أخبارها إلا الجزء النزير، لأنه لم يكن يملك راديو، حتى إن حارتنا بأجمعها لم يكن من بيت يمتلك حظوة ذاك الامتلاك، أما أخبار الحرب العالمية الأولى فبالكاد كان يحصل على بعض منها، وبأزمنة متباعدة من بعض الفارين من السفر برلك.‏

أما جدي الذي توفي قبل ذلك، فقد عايش بعض المعارك التي كانت تحصل في مدينته بين حارة وأخرى بالسلاح الفردي الذي هو المقلاعة والتحجير، حيث الإصابات محدودة ولا تخلف شيئاً يذكر من الخدوش أو الرضوض، أما الحروب والمعارك التاريخية فقد كان يتلقف أخبارها من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة آنذاك والتي كانت تنقل حصرياً من أقنية المقاهي الشعبية، حيث كان المذيع الوحيد، الذي يحمل اسم الحكواتي ينقل لمشاهديه ومستمعيه الكرام تفاصيل حرب داحس والغبراء، والزير سالم والبطولات المذهلة لعنترة من شداد، وتصديه للأعداء يقطع رؤوسهم في الكر والفر، فهو كان- أي الحكواتي- لا يختلف عن معظم وسائل الإعلام المختلفة في عصرنا الحالي والتي تعرف بوصلة انحيازها من طريقة عرضها للخبر.‏

الحكواتي كان وسيلة إعلام خاصة، غير أن للدولة آنذاك إعلامها الرسمي المتمثل بشخص يجوب الأحياء والساحات، وهو ما يمكن أن نطلق عليه صفة «المراسل» وقد كان يحمل طبلة ينقر عليها بضع نقرات بما يشبه الشارة الموسيقية للإذاعة والتلفزيون، ثم يقرأ الخبر الصادر عن السلطنة والسلطان، ويختمه بالشارة الموسيقية ذاتها، ثم يتابع طريقه مكرراً الحالة نفسها حتى انتهاء الدوام الرسمي،‏

ما يجري الآن، ولو في أبعد نقطة من العالم، يصلنا مباشرة من وسائل إعلام لا حصر لها مع الصوت والصورة والتحليل، ونحصل على خبر مفرح، وآخر حيادي، والكثير مما يملأ القلب بالسواد، فالعالم يزداد بؤساً رغم ما يمتلك من رفاهية ووسائل الاستمتاع بالحياة..‏

ومازلت محتاراً هل أغبط نفسي على جحيم المعرفة، وأرثي لجدي نعمة الجهل؟ أم أرثي لنفسي، وأغبط جدي؟.. والله محتار.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية