تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عندما تلوح هيلي لإيران بقميص الانسانية

متابعات سياسية
الجمعة 5-1-2018
عبد الحليم سعود

عندما تتبجح الولايات المتحدة الأميركية بالحديث عن حقوق الإنسان والشعوب ومبادئ السلام والحرية والديمقراطية وغيرها من قيم فإن أول ما يقفز إلى الواجهة والذاكرة معاً هو سجلها الملطخ بالسواد في هذا المجال وكثرة انتهاكاتها لحقوق الإنسان والدول والأمم والشعوب

سواء من خلال شن الحروب المباشرة والاغتيالات والتهديد بالعدوان وصولا إلى تأجيج الفتن والصراعات الداخلية ودعم الإرهاب داخل الدول التي ترفض السياسة والهيمنة الأميركية أو من خلال أسلوب العقوبات والحصار الاقتصادي الذي يخلف آثارا كارثية على الدول والشعوب.‏

وإذا اقتصرنا على هذه القائمة السوداء فقط من الانتهاكات الأميركية ضد شعوب وبلدان العالم ـ وهناك بالطبع ما هو أخطر بكثير ـ يمكننا القول بأن إيران بعد نجاح ثورتها عام 1979 ضد حكم الشاه الحليف لواشنطن عانت من كل هذه الأساليب الأميركية المباشرة وغير المباشرة، ولكنها لم تستسلم ولم تخضع أو تتنازل، وما زالت تقاوم كل أشكال الاستهداف المباشر وغير المباشر وآخرها "الاحتجاجات" التخريبية المغلفة بمطالب إصلاحية التي شهدتها بعض المدن والبلدات الإيرانية خلال الأسبوع المنصرم، حيث انبرت إدارة ترامب لتنصب نفسها أبا شرعيا لأحداث الشغب والفوضى التي جرت مؤخرا بالتشارك مع حكومة الكيان الصهيوني والنظام السعودي المتخلف خصمي إيران الرئيسين في المنطقة.‏

ولكن كما يبدو لا تجري الرياح دائما كما تشتهي السفن حيث عجزت أدوات المشروع الأميركي الصهيوني السعودي في الداخل الإيراني عن تنفيذ المهمة الموكلة إليها وهي هز استقرار الدولة الإيرانية وإضعاف مؤسساتها ودفع قيادتها للتقوقع والانكفاء عن قضايا المنطقة والتنازل عن بعض مواقفها الشجاعة والثابتة تجاه قضايا المنطقة وخاصة قضية فلسطين والحرب على سورية واليمن، والسبب هو أن الدولة العميقة الراسخة في إيران منذ نحو أربعين عاما قوية ومتماسكة وصلبة وليست هشة ضعيفة كما توقع ترامب ونتنياهو وبن سلمان ومعهم ذلك الإعلام الفاجر المضلل الذي شكل بوقا لكل الحماقات والمصائب التي جاءت بها الفوضى الأميركية للمنطقة، وأقصى ما استطاعه عملاء أميركا داخل إيران هو إنجاز بعض التخريب والتدمير في الممتلكات العامة والخاصة للشعب الإيراني انسجاما مع الشهية الأميركية لنشر الفوضى والتخريب وبما يليق بمخربين ومجرمين هم أبعد ما يكونون عن الاحتجاج السلمي والمطلبي المنادي بالإصلاح والمناضل ضد الفقر والبطالة والفساد.‏

"الإنسانية" المزيفة والمصطنعة والتي عادة ما يلمسها ويراها العالم بشكل مستفز ومبتذل، وتستخدمها الإدارات الأميركية كذريعة لمد أيديها القذرة داخل الدول والمجتمعات المناوئة لسياسات الهيمنة الأميركية لم تتحمل الفشل الذي منيت به داخل إيران فانبرت مندوبة واشنطن ـ الصهيونية الهوى ـ في الأمم المتحدة نيكي هيلي للمطالبة بمناقشة الوضع المستجد في إيران في مجلس الأمن بذريعة الدفاع عن حقوق الشعب الإيراني في مواجهة ما سمته حكومة "مستبدة وقمعية" بينما لم تهتز لهذه المندوبة الوقحة أي شعرة إزاء ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من أعمال قتل وقمع واعتقال إسرائيلية على خلفية احتجاجاته السلمية ضد قرار ترامب الغوغائي والمشؤوم بشأن نقل السفارة الأميركية في تل أبيب إلى القدس المحتلة العاصمة الأبدية لفلسطين التاريخية.‏

هذه "الإنسانية" المزيفة التي تقمصتها مندوبة أميركا في الأمم المتحدة لم يلحظ العالم لها أي وجود بخصوص الإبادة الجماعية التي يقترفها تحالف العدوان السعودي ضد الشعب اليمني منذ ثلاث سنوات، حيث ارتكبت مئات المجازر ضد المدنيين الأبرياء من نساء وشيوخ وأطفال، ولا بخصوص مشاهد التشرد والمرض والموت جوعا التي يعاني يقاسيها ملايين اليمنيين كنتيجة مباشرة للحصار السعودي البغيض ضد الشعب اليمني، وذلك لسبب بسيط وهو أن كل ما يرتكب في اليمن من مجازر وانتهاكات وتدمير هو رغبة أميركية إسرائيلية خالصة وحرب بالوكالة ينفذها أدوات المشروع الأميركي في المنطقة ضد شعب لا ذنب له سوى أنه قرر النهوض والحصول على حريته واستقلاله والدفاع عن سيادته وكرامته وأرضه والقضاء على قوى الإرهاب والتكفير والتخلف المدعومة من نفس الدول التي تدعي الدفاع عن الشرعية وحقوق الإنسان ومحاربة الارهاب.‏

التعاطف الأميركي مع جماعات الشغب والتخريب والإرهاب في إيران وغيرها من دول المنطقة يميط اللثام عن صاحب المصلحة الحقيقية في هز استقرار هذا البلد الآمن وسط ما خربته أميركا وأدواتها في المنطقة.. فهل يبادر العالم للجم السياسة الأميركية الغاشمة ويوقف جنون ترامب عند حدوده قبل أن تشعل المنطقة والعالم بحروب كارثية لا أحد يستطيع التكهن بنتائجها.. ما صدر من مواقف حتى اليوم وخاصة ما قاله الرئيس الفرنسي يشير إلى أن العالم بدأ يصحو ويتنبه لأبعاد المخاطر الذي تتسبب به السياسة الأميركية حول العالم مع وجود شخص مغامر مثل ترامب في البيت الأبيض.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية