|
هآرتس اليوم يعمل كموظف في مكتب الأسرى التابع للسلطة الفلسطينية، وهو يخصص ساعات فراغه لـ «مسرح الحرية» في مخيم جنين للاجئين. يتعاون مع فنانين يهود لإنتاج عرض مسرحي عن المخيم، وسينتج بعده فيلماً بمشاركة فرقة من الممثلين الهواة. لقد حظي قبل سنوات بعفو جزئي من إسرائيل، تزوج بعدها وانجب ولدان والثالث في الطريق. وبنى لنفسه بيتاً جديداً بدل الذي هدمه الجيش الإسرائيلي، وترك حمل السلاح وانتهت أيام الحاشية المسلحة التي كانت تحيط به، وانتهت معها أيام الخوف والشك التي كان يعيشها. وثمة آخرون كثر مثل الزبيدي. لو واصل الجيش الإسرائيلي حصاره ومطاردته له لكان إما ظلاً واحداً من مجموعة البعبع الأمني الذي يخيفوننا به ليلاً ونهاراً، أو انضم إلى عشرات من رفاقه الضحايا، أو لكان قد ذاب الآن في السجن الإسرائيلي. ونذكر أن إسرائيل كانت تصر في حينها على عدم العفو عنه، وما كانت لتفعل حتى لو كان ذلك مقابل الإفراج عن جلعاد شاليط. فهو من جماعة « الدم على اليدين» كما تعلمون. ولكن وضع الزبيدي اليوم ليس جيداً للفلسطينيين فحسب، بل هو حسن لإسرائيل أيضاً: فالشبان المشغولون بالمسرح لن ينصرفوا إلى أمور أخرى. وهل نستطيع أن نتخيل لو تم إطلاق سراح مروان البرغوثي؟ لكان قائداً جيداً للفلسطينيين، فهو يعرفنا جيداً، بل ولعله يستحق التقدير حتى عندنا. لو كان حراً اليوم لكان مشغولاً الآن بتوحيد فصائل شعبه وبذل الجهد للتوصل إلى تسوية مع إسرائيل. حتى لو اشتغل البرغوثي بالعنف مباشرة، فثمة ألف شاهد وصديق من الإسرائيليين سمعوه طوال سنوات يحذر من مخاطر العنف ومن السياسات الإسرائيلية التي تجلبه. وقد كان من الجيد لإسرائيل لو أنها أصغت إليه في الوقت المناسب، وكان من الجيد لها أيضاً لو أطلقت سراحه منذ زمن. وبينما يتواصل الجدل عندنا حول اطلاق سراح ألف سجين فلسطيني مقابل الإفراج عن شاليط، أو لمزيد من الدقة، يدور الجدل حول قلة منهم، يخوفوننا صبح مساء من مخاطر اطلاقهم. وهنا يجب أن نسأل: ماذا سيحدث إذا لم تطلق إسرائيل ألفاً بل آلافاً؟ سيكون الجواب الآلي بطبيعة الأمر أن هذه كارثة. ولكن هل هي كارثة حقاً؟ لا يجب أن نذكر أقوال قائد منطقة المركز، آفي مزرحاي التي نشرت في صحيفة «هآرتس» كي نعلم أن الخطر من اطلاق سراح السجناء هو في الواقع أقل بكثير مما يوصف. وخلافاً للصورة التي رسموها لنا، فإن عشرة آلاف فلسطيني المسجونين في إسرائيل هم أيضاً بشر ولهم عائلات خربت حياتها. ليس أكثرهم قتلة، وبعضهم من الأسرى السياسيين من جميع الاتجاهات، وآخرون هم «أوراق مساومة» على اختلافها، أو رماة حجارة، أو رماة زجاجات حارقة وحاملو سكاكين مطبخ. ويوجد بينهم أيضاً ضحايا افتراءات. لقد مكثوا في السجن سنوات طويلة وقد حكم عليهم جميعاً جهاز عسكري تشبه العلاقة بينه وبين القضاء العلاقة بالضبط بين الموسيقا العسكرية والموسيقا. يدرك كل من حضر إلى المحكمة العسكرية أنه لا يكاد يوجد للفلسطيني أمل عند ضباط الحكم، وكثير منهم من المستوطنين، وأن الفلسطيني هو مذنب بالضرورة حتى يثبت العكس. ثمة عشرة آلاف من البشر، حاربوا الاحتلال بحق، بعضهم بعنف وعدد منهم لايزال مسجوناً قبل اتفاقات أوسلو، يريدون الحرية. والجزء الأكبر منهم يستحقها. وإن خطر أن يفضي اطلاق سراحهم إلى موجة عنف ضد إسرائيل مجرد افتراء محض. فالعنف لا يحتاج الى أدوات وهو في أصله نتاج قرار سياسي واجتماعي. وأكثرهم سيطلق سراحه على اي حال ذات يوم. كما أن عقوباتهم منذ البدء ليست متناسبة مع الذنب المفترض الذي ارتكبوه ومصدرها انتمائهم القومي وليس ذنباً محدداً ارتكبوه. وهم مسجونون أيضاً في أصعب الظروف واقساها، خلافاً لظروف السجن بالنسبة لليهود: فلا توجد تخفيضات الثلث، ولا مكالمات هاتفية مع البيت، ولا توجد عطل بل لا توجد لسجناء غزة زيارات. لقد دفعوا ثمناً باهظاً، وحان وقت أن نتحرر من غرائزنا الانتقامية، وأن نطلقهم. حان الوقت كي نفكر خارج الصندوق، صندوق التهديدات الفارغة. إن إفراجاً كبيراً عن السجناء، على أن يكون ذلك بمبادرة إسرائيلية وليس في اطار مساومة في صفقة، هو الوصفة الأشد تأثيراً لبث روح جديدة في المنطقة، ولاطلاق شاليط بطبيعة الحال أيضاً. لا إزالة الحصار بسبب سفينة تركية، بل فتح أبواب السجن بفضل قائد إسرائيلي حكيم وشجاع. هل يبدو كلامي هذا هذياناً وتغريداً خارج السرب ؟ نعم هذا صحيح وهذا أمر مؤسف جداً. بقلم : جدعون ليفي |
|