تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


غياب الحوار... افتقاد للأمان الأسري

مجتمع
الأحد 18-7-2010م
مي شرف

الأسرة هي الدعامة الحقيقية في بناء المجتمع وتطوره، وهي اللبنة الأولى التي منها ينطلق النشء إلى التفاعل مع البيئة المحيطة والمؤسسات الاجتماعية الأخرى «المدرسة، جماعة الرفاق،

وسائل الإعلام، التلفاز» والتي لها الدور بعد الأسرة في تكوين ثقافة الفرد ومخزونه المعرفي، والطرق التي يتعامل بها ضمن المنظومة الاجتماعية هذه.‏

فلابد من تأهيل البذرة الأولى ممثلة بالأب والأم، فالأساليب التربوية التي ينتهجها الأبوان في تنشئة الأبناء نتاج لمخزون ثقافي ومعرفي عندهما، وهما يوظفان معلوماتهما ومعارفهما على شكل أساليب لمعاملة الأبناء حسب مراحل نموهم، وهذه الأساليب في الأغلب تترك بصمة واضحة على الأبناء في مراحل حياتهم اللاحقة.‏

فنشوء الأبناء وسط علاقة توافقية بين الأم والأب من جهة، وعلاقات الأبناء أنفسهم من جهة ثانية له الدور المهم في توجيه الأبناء، بينما العلاقات المتصدعة بين الأبوين والخلافات المستمرة تجعل من الصعب على الأبناء النمو السوي وإقامةالعلاقات الصحيحة، يقول أحمد: لا أحب التحدث مع أبي، فهو عندما يكون في البيت يصرخ ويتذمر، ولانستطيع أن نطلب منه شيئاً، أو نسأله في أمر لأنه يغضب وربما يضربنا، لكن أمي تلبي طلباتنا أنا وإخوتي وأحياناً تعطينا النقود، أحسد رفاقي على آبائهم، فهم يحبونهم ويستمعون إليهم ويشترون لهم أشياء جميلة.‏

لانستطيع الفصل بين الدور التربوي للأسرة ، والأدوار التربوية للمؤسسات الاجتماعية الأخرى، فهناك تكامل منطقي وعلمي لمهام هذه المؤسسات مجتمعة ومنها الأسرة فلابد من تأهيلها بما يثري الحوار داخلها، والسؤال الملحّ هنا: هل نملك حواراً حقيقياً في بيوتنا، يمكننا من التفاهم مع أولادنا ومعرفة احتياجاتهم؟.‏

غياب الحوار الأسري مشكلة تعاني منها كل المجتمعات حتى تلك التي توفر مناخاً كافياً من الحرية يغيب فيها الحوار نتيجة ظروف معينة لدى الأهل كانشغال الأب والأم وعملهما خارج المنزل، أو ممارسة القمع والضرب لجهل البعض بأهمية محاورة أبنائهم والاستماع لهم، ليعبروا عن أدائهم ويمارسوا حريتهم بالكلام، بالإضافة إلى غزو العولمة«الكمبيوتر، الانترنت، الفضائيات،الخليوي» فلايجد الأبناء من يملأ فراغهم سوى هذه، وبالتالي تحلّ العولمة محلّ المربي، فينعدم الحوار وكأن أفراد الأسرة يعيشون كلٌّ في عالم مستقل، وهنا الطامّة الكبرى.‏

لايشاركاني اهتماماتي‏

ينشغل الأهل وتأخذهم هموم الحياة فيفقدون التواصل مع أبنائهم ليكتشفوا فيما بعد مشكلات لايعلمون عنها شيئاً، ويصبح الحل عسيراً أو مستحيلاً. تقول هالة طالبة في الصف العاشر« أغلب الأوقات لا أرى أمي وأبي،ولا أذكر يوماً أننا جلسنا وتحدثنا معاً، فهما لايهتمان لشؤوني حتى إنهما لايشعران بوجودي» فالحوار الذي يمارسه الأهل يؤدي إلى تهذيب سلوك الأبناء بمخاطبتهم بلغة هادئة، ليستطيعوا التفكير بطريقة منتظمة سليمة، وكذلك يتدربون على الجرأة ومواجهة الحياة، وتهيئتهم ليمارسوا دورهم في تكوين أسر مترابطة يسودها الحوار الهادف البناء، كما أنه يقيهم مشكلات كالرهاب والاكتئاب والانحراف السلوكي، تقول نيروز 15سنة « لايوجد اهتمامات يشاركني إياها أهلي، فأخي الصغير يأخذ كل الاهتمام، أبي لايحاورني مطلقاً وأمي قليلاً جداً».‏

منحهم الثقة بالنفس‏

الحوار الأسري حوار تربوي بالدرجة الأولى، فتحطيم شخصية الطفل منذ الصغر يؤدي إلى مشكلات نفسية وسلوكية ، وتنعدم ثقته بنفسه وبأهله، وتصبح شخصيته ضعيفة ومهزوزة، ويصير عرضة للفساد الفكري والأخلاقي، تصارحنا رزان بقولها« أريد من أهلي أن يتركوا لي حرية الاختيار في حياتي»، فأنا أحب صنع قراراتي بنفسي دون إملاء من أحد، وأن يفهموني ويعطوني الحب دائماً» فاحتياج الأبناء للأمان الأسري والثقة بالنفس لابدمنه لتفعيل ثقافة الحوار، وإقامة روابط عميقة بين الزوجين من جهة، ومع الأولاد من جهة أخرى، فالعنف الأسري وفرض السيطرة والتسلط سلوكيات تؤدي إلى الانحراف والعنف لدى الأولاد، والعالم من حولنا يتطور والظروف تتغير وهذا الجيل ابن زمانه، له آراؤه وتفكيره، دعاء ترى أن على والديها احترام آرائها وأفكارها، والتخلي عن عبارة «سنربيكم كما ربانا آباؤنا» وكونها فتاة فهي تريد مواكبة العصر في الموضة والجمال والأناقة، والشباب كذلك، والكلام لدعاء، يريدون الاطلاع على الانترنت وممارسة الرياضة التي يحبونها.‏

إيجابية الحوار‏

الحوار الإيجابي داخل الأسرة يوسع المدارك ويحقق الآمال والطموحات المشتركة لأفراد العائلة وللمجتمع ككل، كما أنه يحسن العلاقات وأواصر المحبة في الأسرة والمجتمع إضافة إلى أنه يشعر بالأمان والانتماء والإحساس بالصدق والرضا، وينمي شخصيات الأبناء منذ الصغر، وكشف المواهب وتنميتها، سها مدرسة ابتدائي تجلس مع ولديها الصغيرين، تلعب معهما وتمثل لهما القصص تقول: «في حال وقوع مشكلة أسرد لهما المشكلة كقصة، وأضع أبطالها من الأشخاص المقربين أو الذين يثقان بهم، لأعلمهما السلوك الصحيح، وأقوّم السلوك الخاطىء لديهما دون انتقاد مباشر» فاللوم المستمر والانتقاد والتذكير بالمواقف السلبية يوقف الحوار داخل الأسرة، ويؤدي إلى ردات فعل سلبية لدى الأبناء ولاسيما الشباب والمراهقين.‏

أولادنا اليوم أحوج إلى حوارنا معهم، نسمع وجهات نظرهم ونثني عليهم في السلوك الجيد، ونوجههم برفق في السلوك الخاطىء، هم أحوج إلى المحبة ودفء العلاقة فلكل مرحلة من حياتهم همومها ومتاعبها، لن نلومهم إن ابتعدوا وصنعوا لأنفسهم عالماً مستقلاً، يريدون القليل من الحرية في اختياراتهم وتفكيرهم، لنلتقي معهم في منتصف الطريق...‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية