تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مشاهدة الأطفال للتلفزيون من العادة إلى التقليد

مجتمع
الأحد 18-7-2010م
وائل المولى

يجهل العديد من الآباء أو يتجاهلون النتائج المترتبة على إفراط أبنائهم من مشاهدة التلفزيون، فهناك من الأطفال من يتلقى مضامين تلك البرامج دون التأثر بها في حين يقوم اخرون بتقليد ما يشاهدونه على أرض الواقع غير مقدرين العواقب نظراً لصغر سنهم،

فكثيرة هي الحالات التي تعرض فيها هؤلاء إلى حوادث خطيرة كادت أن تودي بحياتهم, ورغم ذلك تستمر بعض الأمهات في تجاهل الأمر وتفضيل مصلحتهم الخاصة على مصلحة أبنائهم,ومن بين تلك الحوادث تروي إحدىالسيدات تجربتها في الموضوع قائلة هي تجربة كانت الصفعة التي أيقظتني من غفلتي ، خاصة وأن الثمن كاد أن يكون غالياً لولا لطف الله، حيث كان ابني مهووساً بمشاهدة الرسوم المتحركة بإدمان ويردد دائماً أنه سيحلق مثل سوبرمان، لكني لم أعر الموضوع أي اهتمام معتبرة ذلك كلام أطفال إلى أن جاء اليوم الذي فعلها حقاً من شرفة المنزل وتحين فرصة انشغالي في المطبخ، ولحسن الحظ أننا في الطابق الثاني ووقع فوق إحدى السيارات حيث لم يتعرض لجروح خطيرة.‏

تصرفات الأمهات لم تتوقف عند هذا الحد بل تعدتها إلى أمور لا يتقبلها العقل، وفي هذا الإطار تقول إحدى السيدات أنها استغربت لحال زوجة أخيها التي كانت تسعى جاهدة لتلقين ابنها اللغة الفرنسية منذ صغر سنه، حيث كانت وسيلتها في ذلك التلفزيون من خلال البرامج التي تتحدث بالفرنسية، وكذا الرسوم المتحركة التي كانت تقتنيها بلغة موليير لكنها لم تدرك خطورة ذلك إلا عندما أدخل للمدرسة حيث وجد صعوبة كبيرة في التأقلم مع أقرانه وسجل تأخراً ملحوظاً في اللغة العربية ،ما اضطرها إلى بذل نفس المجهود من أجل تعليمه إياها.‏

فمشاهدة تلك البرامج يدفع الأطفال إلى اكتساب عادات وتقاليد مغايرة لمجتمعهم، فتترسخ لديهم أفكار أجنبية تفسد أخلاقهم خاصة تلك التي تروج للعنف وتستعمل الرعب، وحول هذا الموضوع يحذر المختصون في مجال حماية الطفولة من تفشي هذه الظاهرة التي تتزايد بكثرة حتى أصبح الأطفال مدمنين على التلفزيون ويقضون بقربه الساعات أمام تجاهل الأولياء الذين يسعون من خلال هذه التصرفات إلى التخلص من إزعاج أبنائهم غير مكترثين للعواقب المترتبة عن ذلك.‏

الرسوم المتحركة والمسلسلات التركية تحتل الصدارة‏

لقد لوحظ بشكل كبير أن الأطفال في مجتمعنا معرضون لمختلف أنواع الخطر بما في ذلك الغزو الثقافي الأجنبي الذي يجتاح القنوات الفضائية الذي يؤثر على مختلف مكتسبات هذه الشريحة، فمن خلال مشاهدتهم لتلك البرامج يتعود الأطفال على عادات وتقاليد لا تمت بصلة للمجتمع الذي يعيشون فيه ويتبنون أفكاراً غربية تؤثر علىأخلاقهم ومبادئهم، ويساهم الأولياء بشكل كبير في هذه الظاهرة التي انتشرت بشكل خطير في المنازل، حيث تلجأ الأمهات إلى التلفزيون كسبيل مهم للتخلص من مشاكل الأبناء وتحركاتهم الكثيرة، وذلك بإشغالهم ببرامج متنوعة إلى درجة أصبح فيها الطفل يتحكم في البرامج التي يرغب في مشاهدتها.‏

ولمعرفة الأسباب التي أدت إلى انتشار هذه الظاهرة اقتربنا من مجموعة من الأولياء الذين كانت إجاباتهم تصب في اتجاه واحد والمتمثل في تجنبهم للإزعاج الذي يحدثه هؤلاء الأطفال في المنزل ،حيث يعمل التلفزيون على التخفيف من تلك المشاحنات التي يقومون بها، وفي هذا الإطار تقول السيدة محاسن موظفة وأم لطفل في السادسة من العمر أنها بمجرد الدخول إلى المنزل برفقة ابنها بعد قضاء يوم منهك في العمل تبدأ المشاكل مع هذا الوضع الابن كثير الحركة ، الذي يمنعها من القيام بأشغال المنزل بهدوء ولم يتخلص من هذا إلا عندما اكتشفت حبه للرسوم المتحركة حيث لم تعد تشغل التلفزيون له فقط بل وصل الأمر إلى درجة شراء أعداد من الأقراص المضغوطة له، ما جعله لا يقوم من أمام هذا الجهاز إلا من أجل النوم فقط.‏

من جهتها حدثتنا السيدة أميرة عن ابنها البالغ سنتين والذي لا يتوقف عن البكاء و إزعاجها لسبب وبدون سبب، إلى أنها اتبعت النصيحة التي أسدتها لها صديقة والمتمثلة في المفعول السحري لقناة طيور الجنة على الأطفال حيث تجذب انتباههم من خلال البرامج المقدمة والمتكونة من أغان ذات طابع تربوي محض، وهي النصيحة التي كانت بمثابة طوق النجاة الذي خلصها من إزعاج هذا الطفل الذي يقضي الساعات أمام الشاشة حتى تنتهي من جميع أعمالها المنزلية.‏

وتحتل المسلسلات التركية الصدارة في قائمة البرامج المتابعة من طرف الأطفال بسبب مشاهدة الأمهات لها بشكل كبير، فلا يوجد طفل أو بنت على وجه الخصوص لا تعرف هذه المسلسلات حيث تحرص الأمهات خلال مشاهدتهن لها أن يجلسن أبناءهن بالقرب منهن حتى لا يزعجهن و يسمحن لهن بمتابعة كل لقطة من تلك المسلسلات ، فالسيدة لمى تقول أنها من المدمنات على مشاهدة الدراما التركية، بمعدل مسلسلين أو أكثر في اليوم لذا عند بدايتها تحاول توفير الجو المناسب من أجل ذلك عن طريق إرغام أبنائها على مشاهدتهم هذه المسلسلات وعدم إحداث أي إزعاج ،هذا الأمر بالتالي جعل أطفالها من متتبعي هذه المسلسلات إلى درجة أنه في أحد الأيام اضطرت ابنتها البالغة أربع سنوات للسهر إلى العاشرة مساء من أجل مشاهدة الحلقة الأخيرة من مسلسل عاصي، الذي لم تتمكن من مشاهدته بسبب خروجها مع والدها.‏

وأخيراً أصبحت بعض التصرفات اللامسؤولة التي تقوم بها العائلة تجاه أبنائها سواء عن جهل أو عن إدراك بنتائجها الخطيرة تهدد مستقبل شريحة كبيرة من الأطفال الذين تحولوا بفعل تلك الممارسات إلى وعاء يستقبل كل ما يأتيه من العالم الخارجي، دون تنقية أو رقيب ومن بين تلك الوسائل التي تشكل المصدر الوحيد لهم التلفزيون الذي أصبح مرافقهم الأساسي عبر مختلف مراحل نموهم من خلال التعود على متابعة البرامج التلفزيونية المخصصة لهم، وكذا تلك المتعلقة بالكبار والتي تتفنن القنوات الفضائية في عرضها ، وتساهم الأسرة بشكل كبير في فتح المجال أمام هؤلاء دون أن تفرض عليهم برنامجاً خاصاً يحدد ساعات مشاهدتهم لها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية