تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


جائزة الترضية الضائعة

البقعة الساخنة
الثلاثاء 12 /9/2006م
علي قاسم

لم يكن رئيس الوزراء البريطاني بحاجة إلى هذا الإحراج السياسي في جولته , كي يكتشف أن رصيده في الخارج لا يقل سوءا عن رصيده في الداخل البريطاني , وبالتحديد داخل حزبه نفسه , خصوصا أن المؤشرات جميعها كانت تنحو بهذا الاتجاه , بل وتشير إلى أن التعويض الذي يبحث عنه في الخارج أكثر استحالة مما هو في الداخل .

فالموقف البريطاني الذي صمت إلى حد الريبة حيال العدوان الإسرائيلي , وإلى حد التواطؤ مع إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية , بعد أن سمح بمرور القنابل التي استخدمت للقتل والدمار في لبنان عبر مطاراته , وبالتالي ما كان يعول على موقف بريطاني أقل التصاقا بالموقف الأميركي ذهب أدراج الرياح .‏

ولعل المواقف التي أطلقها بلير , والطروحات التي قدمها تعكس جانبا مهما من ذلك الإحباط الذي لمس جوانبه بلير في الفتور الذي قوبلت به جولته ومحطاته , والاهتمام الإعلامي والسياسي الذي رافقها , ووصل في بعض المراحل إلى الإعلان صراحة عن عدم الترحيب بهذه الزيارة , وفي أقل الأحوال القناعة بعدم جدوى المحاولة من أساسها .‏

ويدرك بلير منذ البداية أن محاولته , عملية استدراك لا تنفع كثيرا , بل جاءت بعد فوات الأوان , وفي التوقيت الخاطئ ,حيث يعلم مسبقا أن الشعور الشعبي في المنطقة لا يتلاقى أبدا مع ما يذهب إليه , ولا سيما بعد أن سقطت أخر الأوراق التي كان يتستر بها .‏

ربما كان السؤال الفعلي من يريد أن يتكأ على من , بلير الملاحق بمعارضة داخلية وصلت تهديد الكثير من وزرائه بالاستقالة احتجاجا على سياسته , أم أولمرت الملاحق بلجان التحقيق حول إخفاقات العدوان على لبنان , وتداعياته ومفاعيله المتواصلة ?!‏

الإجابة الوحيدة التي يمكن استخلاصها أن الرافعة السياسية التي يبحث عنها الاثنان تبدو غائبة على الأقل في المدى المنظور , وأن ما ينتظره كل طرف من الأخر مجرد أوهام , لا يمكن تحقيقها , والرهان على قبول رئيس الحكومة الإسرائيلية على لقاء رئيس السلطة الفلسطينية , لا يمكن أن يكون بيضة القبان المنتظرة .‏

فهذه اللقاءات التي تفتقد للحد الأدنى من عوامل النجاح لن تكون أكثر من فقاعة سرعان ما تتلاشى مع انتهاء اللقاء بعد أن تظهر حقيقة التوظيف الإسرائيلي لهذا اللقاء بهدف إنقاذ ما يمكن إنقاذه .‏

إن السياسة التي انتهجها بلير لم تثر مواقف العرب , وخصوصا حين كانت مطاراته محطة لتمرير القنابل لقتل الاطفال والشيوخ والنساء في لبنان , وحين لزم الصمت حتى أخر لحظة , بل كانت موضع انتقاد من البريطانيين أنفسهم الذين ضاقوا ذرعا بهذه السياسة التي تماهت إلى حد غير مسبوق مع السياسة الأميركية .‏

وجولته التي يريد من خلالها الحصول على جائزة ترضية في نهاية الخدمة لا تبدو مؤهلة لذلك , وهو أكثر الذين يدركون ذلك , بل ويثقون بأنه , حين يكون فاشلا في الداخل البريطاني , لا يمكن أن يكون مجيدا خارجه .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية