تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


من الخاسر ... في انخفاض الأجور..?!

ثمَّ إنَّ
الثلاثاء 12 /9/2006م
أسعد عبود

ما زال هذا الشاب قوي البنية جميل الهيئة صحيح الجسم يطرق بابي باحثاً عن فرصة عمل (وظيفة) عندنا.. أو عند غيرنا.. المهم أن يكون في الدولة. وتعطى فرصة العمل هذه الأيام على ندرتها على أساس يشبه السخرة يقال (عقود مقاولة) أو فاتورة لثلاثة أشهر.. أو غير ذلك.. وقد تفاقمت وتراكمت لدرجة لم يعد من السهل القول: إنها تقوم بعمل موسمي مؤقت أو تقوم بأي عمل كان.. أو إنه معتمد عليها في بعض الأعمال.

على علمي أن هذا الشاب يستطيع العمل في قريته (طبعاً أعمال زراعية وليست سهلة) معظم أيام السنة, وبدخل لا يقل عن ثلاثة أضعاف دخله من عمله في الدولة.. لكنه يفضل الأخيرة.. لماذا..!!‏

ليست السهولة في أداء الوظيفة لدى الدولة وحدها عنصر الجذب لطرق أبوابها من قبل الراغبين في فرصة العمل.. بل هناك أسباب أخرى كثيرة ومتعددة.. يأتي في مقدمتها أنه وبعد توالد أجيال وأجيال تعلمت أن الدولة (النظام الحكومي الرسمي) هي كل شيء ومنها كل شيء وفيها الأمان وهنا فقط يضمن حقوقهم القضاء ويصرخ معهم الاعلام.‏

لكن.. هناك أسباب أخرى لنزوع الناس للبحث عن الوظيفة لدى الدولة رغم الأجور المحدودة وأساليب التشغيل غير الدائمة منها ما يشتق أصلاً من السهولة.. ومنها ما يتعلق بالعمل لدى القطاع الخاص وظروف هذا العمل ومسألة الأجور هنا وهناك.. الى درجة أنني أعتقد أن وضع الأجور يفاقم من البطالة أكثر من نقص فرص العمل.‏

يدخل العامل (الموظف) الى الدولة, راضياً بأجورها المنخفضة جداً وفي ذهنه عدة أمور:‏

1- أن عمله لدى الدولة يتيح له أجوراً بلا جهد مقابل.‏

2- أنها (تعليقة), يصعب على الدولة الخلاص منها.‏

3- أن يتيح له ممارسة عمل آخر خاص.‏

4- أنه مهما انخفض الأجر, فهو أفضل من القطاع الخاص لأن الخاص منخفض الأجور أيضاً, ربما ليس الى درجة أجور الدولة لكنه يفتقد الضمانات.. وأحياناً التأمينات.. وغالباً التقيد بشروط العمل.‏

الآن أنا أسأل السؤال التالي:‏

إذا كان ثمة فرص عديدة لموظفين كثر يعملون في الدولة لإيجاد فرصة عمل أخرى لهم.. فلماذا لا تكون فرصة العمل هذه لمن ليس لديه عمل بما يخفف وقع البطالة..?!‏

يحول دون ذلك مجموعة من الأمور تبعد.. وتقترب.. لتعود كلها الى مسألة الأجور المنخفضة. فالدولة تعطي أجراً تعلم جيداً أنه يستحيل على أي إنسان أن يغني شؤون حياته به.. وبالتالي هي تسلم سلفاً بأنه سيتجه الى إيجاد عمل آخر بما يعني اقتناص فرصة عمل أخرى.. ولو كان الأجر كافياً ومقابل عمل حقيقي.. لاستحال على العامل أن يؤدي غيره.. ولاكتفى بأجره وبحث عن راحة نفسه..?!‏

ثم.. إن العمل الأخير الذي يقوم به العامل, هو غالباً إما عمل في أرض له أو دكان أو سيارة أو طشت فلافل.. الخ.. وإما عمل لدى القطاع الخاص.. وانخفاض المردود من هذه الأعمال كلها.. يجعل العامل لدى الدولة يراهن عليها مع عمله ولا يرضى بأحدها..‏

ولنفصل بين الحالتين:‏

العمل الخاص الفردي (لا وجود لرب عمل)‏

والعمل لدى رب عمل (قطاع خاص).‏

فالأعمال الفردية المنتشرة ذات مردود منخفض فعلاً.. ولم تستطع هيئات الدولة تسهيل تأمينها للناس بحيث يكون مردودها متناسب مع كلفة منخفضة.. لاحظ مثلاً.. سائق تكسي في سورية.. هو يستخدم رأسمال (السيارة) يفوق كثيراً في قيمته رأس المال المشابه في دولة أخرى.. ويحظى على مردود أقل بكثير منه في أي دولة.. طبعاً يستفيد من انخفاض أسعار الوقود أو غيره.. لكنه.. عمل مضن.. ومردود محدد.. ويحتاج لرأسمال كبير نسبياً وساعات عمل طويلة..‏

أما العمل لدى الخاص.. فإن دور القطاع الخاص في رسم سياسة الأجور هو دور أكثر من سلبي وأكثر من مدان. إن الخاص يخجل أو يتهرب حتى من منح العاملين لديه زيادات أجور مشابهة للتي تمنح للعاملين في العام.. والذين قالوا يوماً وما زالوا يقولون بريادة الخاص.. لم يقرؤوا فعلياً تخلف هذا الخاص وجبنه وتردده?!‏

وإذا كان رأس المال جباناً فعلاً.. فإن القطاع الخاص السوري (طبعاً ليس كله بل معظمه).. يقرن الجبن بالتخلف.. وهو من كل فنون خفض كلفة المنتج يعرف فن اضطهاد العامل وفقط.. ويبحث دائماً عن عامل يقبل الاضطهاد فيجد غالباً العاملين لدى الدولة القادرين على إضافة ساعات طويلة الى ساعات عملهم المحددة لدى الدولة.‏

والغريب أن الخاص لم يدرك بعد.. أن أجور العمال هي عنصر واحد من عناصر تكلفة الانتاج..و إن اضطهاد العامل يؤدي الى تراجع انتاجيته.. وأن الاصرار على نشر الفقر عن طريق الأجور المنخفضة يعني بوابة عريضة لكساد منتجاته.. فمن أين سيشتري الناس إن كانت أجورهم كذلك..?!‏

ما زلت أعتقد أن عملية إدارة وتنظيم غائبة عن نشاطنا الاقتصادي وبشكل خاص في مسألة العمل والعمالة.. ومن شأن مثل هذه العملية -لا سيما إن اقترنت بالجرأة- أن تخفف كثيراً من عبء البطالة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية