|
ثقافـــــــة يقفون على قارعة الطريق يسألون ابن الشام صدقة، ليتهم ظلوا في تيه الضب والذئب والغول ويتناقشون حول لسعة الزنبور أهي أشد أم.. ليتهم ظلوا يجمعون الروث ليوقدوه في ليالي البرد القارص، أو يشعلوه ليلاً لعله يطرد الذباب والهوام..
مالهم العفن أفسد كل شيء، أسأل نفسي لماذا كان العرب المهاجرون في عالم الاغتراب متعلقين بالأوطان يعيشون آماله وآلامه، لماذاأبدعوا وكانوا يداً واحدة،وكأنهم جسد واحد، بنيان مرصوص، لم تكن لتعرف ابن سورية من ابن مصر، أو لبنان أو..لم يغوصوا في رمال متحركة، ويتاجروا بأبناء وطنهم. قيض لي أن أتابع بعض الدوريات التي صدرت في المهجر منذ عام 1900 وما بعده، أصدرها مهاجرون سوريون لم يكونوا يحملون إلا هم الوطن وشجونه، صحافة تحتفي بالوطن، بقضاياه، تعمل على لم الشمل، تشرح قضايا الأمة في المغترب.. رسالة واضحة وطنية قومية، غايتها إنسانية. لا نبالغ أبداً إذا قلنا إنها كانت مرحلة الصحافة النقية في أهدافها ورسالتها وتوجهها. اليوم نقارن بين حالتين الأولى من مئة عام ونيف، حيث كان الاحتلال العثماني يجثم على صدر أبناء الوطن فغادروه إلى ما وراء البحار وكانت لهم عوالمهم الاجتماعية والفكرية والاقتصادية ومنشوراتهم ومطبوعاتهم التي مازالت حتى الآن مصدراً ثراً لمعرفة أحوال مبدعينا في المهجر، وهنا أتوقف عند ذكر مطبوعتين هامتين، الأولى هي الفطرة لصاحبها ومدير تحريرها الشيخ: محمود محمد سلوم، وقد صدر العدد الأول منها في بوينس آيرس يوم الأربعاء في 26/ تموز سنة 1922م.
وقد جاء على الصفحة الأولى من غلافها: صحيفة أسبوعية اجتماعية تهذيبية، مبدؤها السير على سنة الطبيعة، وغايتها إرشاد من يمهمهم أمر رقيهم الصحيح إلى الوحدة والمدنية الراقية. وقد اطلعت على المجلدات التي جمعت أعدادها الصادرة لدى حفيد صاحبها الصديق الدكتور طاهر سلوم الأستاذ في جامعة دمشق، وما في الأعداد ثروة ثقافية وابداعية هامة. وهنا لابد من الإشارة إلى أن الدكتور: سهيل الملاذي في كتابه الصحافة الشامية المهاجرة وأعلامها في العهد العثماني، نسبها خطأ إلى اسم آخر، وهذا غير صحيح أبداً، ومن هنا وجب الإشارة إلى ذلك، فالأمر لا لبس فيه، ولا غموض أبداً إذ إن الصفحة الأولى فيها/ الفطرة/ وفي الأعلى تشير إلى أن صاحبها والمسؤول عنها هو: محمود محمد سلوم. وأتمنى على الأصدقاء الذين يحتفظون بأعداد المجلة تقديم مختارات منها وطباعتها في كتاب مستقل لما فيها من فائدة للقراء والمتابعين وللباحثين الذين يهمهم أن يدرسوا تاريخ المهاجرين العرب في أميركا الجنوبية وما قدموه لأوطانهم. والمجلة الثانية التي أود الإشارة إليها هي مجلة: المواهب، وهي مجلة أدب وتثقيف واجتماع، صاحبها ورئيس تحريرها المسؤول يوسف صاري، شعارها: الصدق والاستقامة، وقد صدرت المجلة في أيار 1945م في بوينس آيرس، ومن خلال الأعداد التي رأيتها وهي لاتتجاوز عدد أصابع اليدين فإنها تشي بإنها كانت تحمل الهم الوطني والقومي وروحها إنسانية ويكفي أن نشير هنا إلى أن من بين كتابها كان . محمود تيمور/ جورج صيدح/ محمد فريد وجدي/ميشال مغربي/ علي أحمد باكثير.. والقائمة طويلة.
وإذا لم أقف إلا عند هاتين المجلتين فإنما يعود ذلك لعدم اطلاعي على مجلات أخرى بشكل واسع، ولكن الاطار العام للصحافة العربية المهاجرة في الغرب يدل على عروبتها والتزامها بالقضايا الوطنية والقومية، على عكس ما تفعله صحافة العربان الآن في بلاد الضباب أو باريس عاصمة النور المزيف، إذ إن هذه المطبوعات ذهبت لتصبح أكثر قدرة على العداوة والتشهير بدلاً من أن تكون عامل جذب وتنوير فإذا بها عامل تهديم وفرقة، لايكاد المرء يقرأ سطراً من أي خبر تنشره حتى يصاب بالدوار لما فيه من عفن وسم ورائحة مال النفط الآس، والآثم كنا نتمنى أن تكون منابر للمعرفة والتنوير وللحقيقة مهما كانت الحقيقة لكنها آثرت أن تكون منبراً يفرق ولا يوحد، يهدم ولا يبني، الصحافة العربية المهاجرة الآن بوق ينفخ فيه أعداؤنا حبرها مدنس، غايتها فرقة واغتيال الحقيقة، وحالها كحال الذين باعوا الوطن بأبخس الأثمان، وهي صحافة صفراء أنشئت لتبقى ستاراً للذين أهرقوا أموالهم في مرابع الليل ومواخيره، صحافة ومجلات ودور نشر تأكل بثدييها، بلحم أمتها، ولا شيء غير المال الخليجي يشبع نهمها ويوجهها ولو كانت النتيجة مانراه الآن على ساحة الأمة من ويلات وكوارث . |
|