تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حين يستثمر أردوغان حتى بالانقلاب!

متابعات سياسية
الأربعاء20-7-2016
عبد الحليم سعود

لا شك بأن طاغية تركيا رجب أردوغان يتنفس الصعداء حالياً لأنه كان بأمس الحاجة لحدث داخلي سياسي أو أمني يستثمر فيه ويعوض من خلاله الخسائر والإخفاقات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية التي

لحقت بنظامه جراء السياسة الحمقاء التي انتهجها في السنوات الأخيرة في ملفات كثيرة، وخاصة ملف الحرب في سورية والعلاقات مع دول الجوار.‏

وغني عن الشرح أن أردوغان كان في الآونة الأخيرة يهيئ نفسه للاستيلاء على جميع مقاليد السلطة والحكم في تركيا عبر تحويل نظام الحكم البرلماني إلى رئاسي يعطيه صلاحيات مطلقة، بعد أن تبخرت أوهامه باستعادة سلطان أجداده البائدين والحصول على زعامة اقليمية من خلال قيادته لتنظيم الإخوان المسلمين الارهابي على مستوى المنطقة.‏

ولكن بدل الحدث المهم الذي كان يبحث عنه أردوغان في الداخل توفر له حدثان، الأول تمثل بانقلاب داعش على حكومة العدالة التنمية التي ترعاه وتتبناه، وقيامه بعدد من التفجيرات الانتحارية داخل تركيا كان آخرها وأخطرها الهجوم الذي استهدف مطار أتاتورك في اسطنبول أوائل الشهر الجاري، ما أمّن لأردوغان وحكومته مبررات كافية للادعاء بأنهم من ضحاياالإرهاب الداعشي وأنهم في مقدمة من يواجهه إقليمياً، في الوقت الذي يعرف القاصي والداني تفاصيل العلاقة القائمة بين نظام أردوغان والتنظيم،دعماً وتسليحاً وتدريباًواحتضانا واتجاراً بالنفط المنهوب من الاراضي السورية والعراقية.‏

أما الحدث الثاني فتمثل بمحاولة الانقلاب الفاشلة ـ الانقلاب المسرحية ـ التي أقدم عليها جزء من العسكر التركي ليلة الخامس العشر من تموز الجاري، ليجد فيها أردوغان ضالته لإصلاح صورته المهشمة داخل تركيا وخارجها، واستعادة مكانته المهتزة نتيجة إجراءاته القمعية والعدائية ضد المجتمع التركي وتقييده للحريات، فقام باستغلال محاولة الانقلاب وتوظيفها واستثمارها في اتجاهات مختلفة كأسوأ ما يكون الاستثمار، حتى باتت كما لو أنها دجاجة تبيض لأردوغان وحزبه ذهباً..؟!‏

وبغض النظر عن استثمارات أردوغان ونظامه بالإرهاب الداعشي الذي نفّذ له أجندة تدميرية وتخريبية لتاريخ وحضارة كل من سورية والعراق ومنحه إيرادات ضخمة من النفط المنهوب والموارد والآثار المسروقة، وساعده في زعزعة أمن واستقرار المنطقة لصالح تعزيز مكانته عند الأميركيين، فقد ساعدته المحاولة الانقلابية الفاشلة على التخلص من خصومه ومناوئيه وأعدائه داخل تركيا ولاسيما في مؤسسة الجيش الذي يعتبر تاريخياً حامي العلمانية الأتاتوركية، مع الأخذ بعين الاعتبار سعي أردوغان وحزبه الأخواني لتحويل تركيا إلى دولة أخوانية يديرها رجل واحد قريب الشبه بسلاطين آل عثمان البائدين.‏

وإذا ما تجاهلنا الطابع المسرحي لمحاولة الانقلاب الفاشلة و«استبعدنا» تورط استخبارات أردوغان بإعداد وإخراج هذه المسرحية الهزلية، حيث بدت الأمور مرتبة ومجهزة ومعدّة سلفاً لكي يخرج الطاغية المستبد زعيما شعبويا، يدافع عن قيم الديمقراطية والعلمانية فقد كان لافتاً ومفاجئا سرعة السلطات التابعة لأردوغان بتصفية المحاولة الانقلابية وسرعة الوصول واعتقال المشاركين فيها، واستعداد هذه السلطات للانتقام من مناوئي أردوغان والتخلص من معارضيه وخصومه وخاصة في مؤسسة الجيش وسلك القضاء حيث بدت لوائح الانتقام جاهزة في أدراج الحكومة التركية، وهذا يذكرنا بما قامت به هذه السلطات في فترات سابقة من تقييد الحريات الإعلامية وإسكات صوت الصحافة وتكميم الأفواه، وتطهير لجهازي الشرطة والأمن من المعارضين الذين فضحوا فساد حكمه وبعض انتهاكاته في مجال دعم التنظيمات الارهابية المقاتلة في سورية.‏

الشيء المؤكد بأن أردوغان استخدم هذه المحاولة الانقلابية كسيف مسلط على رقاب الأتراك، ليوجه تهمة العمالة والمشاركة في الانقلاب لكل من يعارض سياساته ومشاريعه، وقد لوحظ إصراره على اتهام خصمه وحليفه السابق اللاجئ سياسيا لدى أميركا فتح الله غولن بتدبير الانقلاب الفاشل ومطالبة واشنطن بتسليمه ما يعني أنه لم يترك مجالا لأحد كي يحقق أو يبحث في خلفيات هذا الانقلاب ودوافعه، وكأنه طبق نصيحة مكيافيلي باختراع الانقلاب لتصفية الخصوم المفترضين.‏

المضحك المبكي في خطابات أردوغان المتكررة بعد الانقلاب المسرحية هو تركيزه على إرادة الشعب كمصدر للسلطات، في حين يتجاهل هذا الدجال إرادة الشعب في سورية وفي مصر والعراق واليمن، ويصرّ على دعم الجماعات الارهابية التكفيرية المعادية للشعب والمعبرة عن إرادة شريرة حاقدة بحق الانسانية..!‏

لقد كشفت أحداث تركيا الاخيرة عن الطبيعة الهمجية والبربرية لبعض أنصار أردوغان، حين قامت جماعة منهم بذبح أحد الجنود الأتراك في وسط اسطنبول أمام كاميرات الإعلام في سلوك داعشي يؤكد انتماء داعش لنفس البيئة الأردوغانية، حيث لم يعلق الطاغية على الحادث ولم يستنكره ما يعزز طبيعته الداعشية المجردة من الأخلاق والقيم.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية