تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تــــلال حاكمــــــــة للـــــــــروح..

ثقافة
الثلاثاء 8-12-2015
ميسون عيسى

لا يعرف سبباً لإحساسه الدائم بأنّها كائنات نابضة بالمشاعر، ربما لأن سورية مليئة بتلك الكائنات الطبيعية اللطيفة تموج بألوانها من الخضرة الداكنة الى الذهبية الشقراء، أوالحمراء المرصعة بحجارة سوداء مائلة الى الزرقة، تتملّك المساحات الواسعة في خياله الثري.

بدت له كائنات حساسة وعاطفية وعنيدة، ما استطاع أحد فك رموزها، كعاشق بعضلات مفتولة يعرف طريقه جيدا الى قلبها.‏‏

هكذا هم أبناء الريف السوري، قد ورثوا عن أجدادهم كيفية التفاهم معها، وبرعوا في تمشيط شعرها بأيديهم وصنعوا في جرودها وأحراشها قصَات جميلة بدروب مائلة ومستقيمة، مهّدوا صخورها المشاغبة، تصادقوا مع أعشابها البرية، وزرعوا فيها صلواتهم وسنابلهم المباركة وحدث أن استفاق وعيه على ذلك الطوق الجميل من التلال المتحلّقة حول قريته الصغيرة.‏‏

تلال وقرية وغيوم على متون الجبال، كان يراها دائما سابحة في فضاء سماوي، كعالمٍ سحري لا تستطيع أن تصل اليه يدٌ عابثة.‏‏

صحيح أن بعض الناس ينظرون اليها بطريقة مختلفة، يأتون بجرّا فاتهم فيصنعون طرقا عريضة ثم يبنون على رؤوسها قصوراً باذخة،.. لا تجمعهم مع التلال تلك العواطف التاريخية التي يملكها الفقراء، فإذا اشتعلت الحرب، يؤثرون ترك الأمر للزمن، ويحسبون خسارتهم للتل، على الأغلب هي خسارة مادية.‏‏

ولكن التلال التي تحمل في بطونها الأساطير، ورسائل المهد الأول للانسانية، لاتتوه عن أبنائها، فهي تتنسّم رائحة عرقهم المحببة، في لباس الجيش.‏‏

هذه الليلة، يعتذر القمر عن كلّ مواعيده الغرامية، فقد اختار أن يكون رفيقا لمجموعة مقاتلة، ويبدوأنّ لغة العيون اليوم، ليست لنسج القصائد انما لنصب الكمائن، اذ تتوقف أشجار الزيتون عن منادمة الريح، وتحبس أنفاسها، بينما تمرّ الخطوات الواثقة بمحاذاتها.‏‏

ما الذي كان يجول في رأسه وهو يقود سريته، حاملاً على كتفيه الناهضتين سلاحه وجعبته وتلك المعدات الثقيلة، حيث لاصوت الا صوت أقدام رفاقه من خلفه تشق سكون الليل بحذر، كان عليهم حمل كل أسلحتهم وصناديق ذخيرتهم صعودا الى مكان تمركزهم على القمة، فمن غير الممكن استخدام المركبات في نقل تلك الأحمال، كي لايثير ضجيج محركاتها سكون الليل فيشي بخطّتهم في المباغتة.‏‏

شدَّ سلاحه بقوة وجدَّ في السّير، هومن تعوّد ظلمة الدروب، وألف قصص الليالي الحالكة، يحضره قول والده عندما كان طفلا «أن لا شرّ يأتي من ذئاب البراري»، انها مجرد حكايات يتندر بها القريون في سهرات لياليهم الصيفية.‏‏

ولكنّه اليوم بانتظار ذئاب أنسيّة جائعة، شاردة من أصقاع الأرض، حالمةً بالسيطرة على فضائه المقدس، وهولم يتعود التأخير، لم تسمح له تربيته الريفية بالتراخي في المهمات، يستعجل الصعود ليستقبل ضباب الفجر على القمة، ويفكّر في كلمات قصيدة سيكتبها عن صيد الذئب.. جعلته يبتسم ابتسامة خفيفة، فقد تخيل وجه الحبيبة عندما يقرأ لها القصيدة في أول زيارة، لطالما أعجبته تلك الغضبة، سريعة العطب في عينيها الجميلتين..‏‏

الحقُ معك يا جميلة.. أين رائحة البارود من عطر نافذتك عندما تحمله الريح الى قمّةٍ أتقاسمها مع السنديان وطيور الحجل.‏‏

.. سأرجع لأكتب عن عينيك عندما أعيد كل خطوط الأفق لتلالي الحبيبة.. صحيح، أنه في استراتيجيا القتال هناك (تلال حاكمة)، لكنّ في روحي، كل تلال الوطن حاكمة.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية