|
ثقافة ولقد صدر لمناسبة المعرض كتالوج فني توثيقي ملون للأعمال المعروضة، كما صدر دليل آخر ملون تحت عنوان: ماهو المركز الوطني للفنون البصرية، وتضمن كلمة للفنان التشكيلي الرائد غياث الأخرس، مدير ورئيس مجلس إدارة المركز جاء فيها: «يعتبر المركز الوطني للفنون البصرية في دمشق أكبر وأحدث مركز تخصصي في الشرق الأوسط،
يضم صالات عرض بمساحة 1300 م2 وقاعة ورشات عمل بمساحة 900م2 في الطابق السفلي من الصالة.. صممت الصالة بالشروط الدولية.. إضافة لمؤهلاتها التقنية من أجهزة الحماية والانذار والحريق والاطفاء وغيرها..» وبداية ثمة تساؤلات تطرح نفسها، عن مدى قدرة هذه الصالة الفسيحة، والمهيأة بمواصفات وشروط دولية، وبأجهزة تقنية متطورة وحديثة، وبمنافذ الضوء الطبيعي والصناعي،على استقطاب المعارض المحلية والعربية والدولية، حتى تصبح، من المعالم الحضارية الحديثة في سورية والعالم العربي. ردة فعل معاكسة وأهمية صالة المركز الوطني للفنون البصرية تكمن بالدرجة الأولى، في أنها، تؤسس لمرحلة وتحولات جديدة، وخاصة في هذه المرحلة المتوترة، وبعد أن أغلقت معظم أو مجمل صالات العرض الخاصة، أو توقف نشاطها، حتى اشعار آخر، وهنا تكمن بالذات أهمية هذا المركز وهذه الصالة، التي افتتحت في ظروف مفجعة ومأساوية ومريعة، وبالرغم من بعض التحديات الراهنة، فالصالة الناجحة، تتأكد أهميتها ويتعزز دورها، في قدرتها على الاستمرار والتواصل، في الظروف الصعبة، دون توقف أو انقطاع. وفي مدى قدرتها على تحريك المياه الراكدة في مستنقع التخلف والجهل والأزمة الاقتصادية والوجودية الخانقة، التي بدأت تشل النشاط الفني، وتساهم في هجرة بعض كبار الفنانين الى الخارج، ونتساءل أيضاً عن مدى قدرتها في المستقبل على ايجاد فسحة تواصل بين الأسماء الفنية الجديدة والواعدة وبين الجمهور والإعلام، كون الصالة تشكل المدخل الحقيقي لانطلاقة الفنان في رحاب الشهرة والاقناع، والانفتاح على الجمهور.
ونتساءل، قبل ذلك، عن مدى قدرة هذه الصالة، على الاندماج مع طموحات الحلم التشكيلي، واللحاق برؤى الحلم الثقافي المستمر في ذاكرة الاجيال الفنية المتنوعة والمتعاقبة. وستهتم إدارة المركز - كما جاء في دليل الافتتاح - على إحياء الذاكرة التشكيلية، والبحث عن المواهب الفنية الشابة ودعمها وتقديم مساعدات مالية لها، وإقامة ندوات ومحاضرات، وورشات عمل مباشر أمام الجمهور، وتبني طباعة بحوث الفن النظرية، واقامة معارض محلية وعربية ودولية، واصدار أدلة لمعارض الصالة، والعمل على ايجاد حالة من التبادل والتفاعل في مجالات الإبداع كافة. هكذا تأتي خطوة افتتاح المركز الوطني للفنون البصرية، كردة فعل عفوية معاكسة للأحداث المأساوية والمفجعة. لأن معارضه ونشاطاته ومطبوعاته ومساعداته، ستمنح المشاهد في النهاية حركات لونية للتنفس والانفلات من الأحاسيس الرمادية والسوداوية، الداخلة في كل لحظة بعمق حياتنا اليومية المعاصرة, وستنمي مشاعرالإحساس بأهمية الحوار الفني والثقافي بين الأجيال، وتعمل على تطوير التجارب الفردية، وتساهم في تجاوز مشكلة التقوقع، في إطار الفن الاستهلاكي والمتداول والمألوف. حوار الأجيال ولقد تضمن المعرض الجماعي الأول لصالة المركز، مجموعة من الاعمال المعبرة، في بعض أوجهها، عن أساليب وخصوصيات واشارات وجماليات التفاعل مع جماليات الفنون الحديثة والمعاصرة، عبر استعادة عناصر وأجواء واشارات التراث الحضاري،الذي لايزال رغم كل الغربة التي نعيشها حية في نفوسنا وذاكرتنا. وهذا الانتماء إلى ملامح المناخ الزخرفي والحروفي والشعبي والمعماري، يحتفظ بروح التراث المحلي، رغم ذلك الكسر الذي يبعد المشهد، في أحيان كثيرة، عن التدقيق، الذي يوحي بالمرجع الواقعي التسجيلي، فالمهم بالنسبة للفنانين المشاركين في هذا المعرض، والذين ينتمون إلى الأجيال الفنية المتعاقبة، استعادة إشارات البيئة والتراث، بالارتداد إلى الداخل، لإخراج العناصر من حيز صمتها وتجديدها أو استنطاقها بالبوح الانفعالي المباشر، ولهذا تتدرج الحركة العاطفية، صعوداً وهبوطاً عبر تدرجات الحالة اللونية، من تلك التي تتجه نحو العفوية المتوترة من خلال اللمسات المتتابعة والمتوترة، إلى المساحات الهادئة التي يغلب عليها التسطيح، لإيجاد علاقة مزدوجة بين العفوية اللونية والملامح الهندسية المتحررة. فالفنان التشكيلي السوري يسعى إلى إعادة اكتشاف الصلات التي تربط بين الماضي والحاضر، لاستشفاف الجذور الحضارية،وتأصيل عناصر ظهور أساليب فنية حديثة، قائمة على معطيات الحرف أو الخط العربي او الزخرفة او الفسيفساء والرقش، وقادر على تحقيق التوازن الفني المطلوب بين إرثه الجمالي ومعاصرته. ولهذا يجهد الفنان السوري في خطوات بحثه عن ثنائية وجدلية تحقق التوازن البصري الإيقاعي، وتحمل نبض الأصالة وروح العصر والشخصية المميزة لحركات العناصرالحضارية، التي تشكل الضمانة الوحيدة والأكيدة للفنان العربي في الانطلاق والوصول إلى العالمية. بين الشكل والمضمون ونأمل لهذه الصالة أن تستمر في نشاطها، وتستقطب كبار الفنانين في المستقبل، ليتعرف جمهور الجمهور على عطاءات الرواد والمخضرمين، ولتساهم في تفعيل آفاق الحوار الثقافي والتقني والجمالي، المفتوح على كل الحضارات والأزمنة. وأول ما يمكن استشفافه من تحليل الاتجاهات التشكيلية الحديثة، التي نجد تجلياتها في معظم الأعمال المعروضة، تكمن في بروز جدلية العلاقة المتبادلة و المتداخلة بين معطيات التشكيل العالمي الحديث، والعناصر البصرية المستمدة من التكاوين الفنية العربية والشرقية، حيث تولدت في اللوحة والمنحوتة، رؤى تعبيرية ورمزية وواقعية جديدة وتجريدية وغيرها... فأصحاب التجارب المشاركة، يتركون الباب مفتوحاً على مصراعيه، أمام التجارب الفنية العالمية كافة، وهذا ما أدى في أحيان كثيرة إلى ظهور تجارب تشكيلية مغرقة في عفويتها وحداثتها. واللافت في هذا المعرض تراجع الاتجاهات التشكيلية المتطرفة في عبثيتها وانفعاليتها وحركيتها ودادائيتها وتمغربها. وتثير العلاقة المتبادلة والمتداخلة بين الشكل والمضمون في الاعمال التشكيلية المعروضة هنا،سجالات ونقاشات وخلافات حادة لا تكاد تخف أو تهدأ حتى تتأجج وتشتد، ولاسيما وأن هناك اسماء تعمل على تمجيد وإطلاق ظاهرة التركيز على النواحي التقنية في الفن التشكيلي الحديث والمعاصر. ومعظم الاعمال المعروضة تحافظ على اشارات الاشكال، وبعضها الآخر يتجاوز العناصر الواقعية ويصل الى ضفاف التشكيل التعبيري والتجريدي في مظاهره الغنائية والهندسية. ولاشك أن الإبداع يتغذى من جوهر ومعطيات البحث التقني المركز الخالص، لكن الأهم في العمل الفني التشكيلي،هو امتلاك حيوية وليونة الخط وسحر اللمسة والضربة الماهرة والواثقة وشاعرية النور، بدلاً من التعثر في متاهات التلوين العبثي، الأكثر قدرة على كشف نقاط الضعف الأساسية في إيقاعات التشكيل والتلوين. facebook.com/adib.makhzoum |
|