تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أوباما.. بطة عرجاء في ولايته الثانية

 بقلم: أندريه كاسبي - كاتب وأستاذ في جامعة الس
لوفيغارو
ترجمـــــــــــة
الاثنين 4-2-2013
 ترجمة: سهيلة حمامة

على جناحات ولايته الثانية سينطلق الرئيس الأميركي باراك أوباما يشقّ عباب أمواج الحياة السياسية العاتية، لسنين أربع أخرى،

يقضي اثنتين منها فقط لتنفيذ برنامجه السياسي، والأخريان تصلحان لتجنيد نفسه والتهيؤ للمواجهة مع أولئك الذي يتطلعون إلى خلافته عند البدء عن إعلان حملة انتخابية جديدة لن يشارك بها ومايصحبها من ضجيج إعلامي، وطبول الأوساط السياسية وحتى الرأي العام، ليجد أوباما نفسه متنقلاً بين هؤلاء جميعاً «كالبطة العرجاء».‏

ولعل الرئيس الأميركي المنتخب خطا خطوته الأولى في المواجهة مع مجلس الشيوخ والنواب الأميركي مطلع كانون الثاني الماضي، هؤلاء انطلقوا يمعنون النظر في الانتخابات التشريعية المتوقعة في تشرين أول من عام 2014م.. موجز القول لاينبغي التقليل والاستخفاف بالعراقيل والعقبات التي ستعترض مسيرة الرئيس الشائكة ولاسيما أنه لا يمتلك النفوذ الذي يتمتع به أي رئيس فرنسي في حكومته..‏

من المتوقع جداً أن تطغى السياسة الداخلية لأوباما على أجندة سياسته الخارجية، لسبب بسيط وهو وقوع بلاده تحت ثقل ديون هائلة.. الديون الفيدرالية تلازم تصاعد الناتج المحلي الإجمالي.. الحروب على العراق وأفغانستان.. خفض الضرائب.. النفقات الاجتماعية الباهظة ساهمت في مفاقمة العجز، علماً أن القانون الأميركي يجيز لحاكم البيت الأبيض التقدم بطلب إلى الكونغرس لرفع سقف الدين.. الجمهوريون يودون بداية خفض النفقات والضرائب والحد من تناميها.. الديمقراطيون يفكرون عكس ذلك، هم يرفضون خفض النفقات الاجتماعية مطالبين في الوقت نفسه برفع الضريبة على الطبقات الأكثر ثراءً.. ونظراً لتضارب هذه المواقف والآراء، يتملكنا الشك بسهولة اجتياز «الحاجز الضريبي» هذه المحادثات أثيرت في أواخر عام 2012 سوف تطلق من جديد في وقت قريب.. مع توقع عدم حدوث تغيير في تلك المواقف المتناقضة بين الجمهوريين والديمقراطيين، ليبقى الرهان الأعظم في إنعاش الاقتصاد وتم الانطلاق بذلك من قبل، وعودة النمو، ومكافحة البطالة المتفشية..‏

فضلاً عن ملفات أخرى ساخنة تقتضي من أوباما يقظة تامة: هل يصار إلى وقف المجازر الدموية في أنحاء شتى من البلاد؟وفي إطار المؤهلات المحدودة أصلاً للنظام الفيدرالي، هل يمكن ابتكار حلول يقبل بها مالكو السلاح الناري؟ لعله أمر مستحيل!!.‏

الهجرات إلى الأراضي الأميركية تفرض تساؤلات مهمة غير قابلة للحل، فهل بالإمكان وقف تدفق الهجرات الشرعية؟ هل يصار إلى تسوية أوضاع المهاجرين الشرعيين القائمين منذ زمن طويل هناك؟ في نهاية المطاف، حان الوقت لتفعيل نظام الرعاية الصحية وتمّ التصويت عليه في العام 2012م .. دون أن يغفل أوباما بالطبع عن معالجة القضايا المتعلقة بالإجهاض، والزواج المثلي، وحكم الإعدام، وغيرها، فهذه جميعها أثيرة على قلوب الأميركيين نظراً لأهميتها العظمى بالنسبة لهم..‏

قد يكون من الصعب جداً في ظل هذه الظروف، أن تتمكن الولايات المتحدة من الاحتفاظ بمكانتها المتفوقة، ومن المعلن أن الصين ستصبح بمثابة دائرة المصالح للولايات، حيث سارع الصيارفة والممولون الأساسيون لتقديم خدماتهم الجليلة لها، ناهيك عن كون مؤسساتها لاتكفّ عن تصريف منتوجاتها إلى الأراضي الصينية، الأمر الذي يدفع بنا للتخيل والقول إن ثمة زواجاً عقلياً بين أميركا والصين، لابد أن يتهدده الطلاق يوماً بعد آخر ولاسيما إن علمنا بأن طموحات بكين السياسية والجيواستراتيجية والعسكرية أيضاً لن تدع استراتيجيات واشنطن من غير اكتراث أو اهتمام بها مايعني أن واشنطن لن تدع أميركا تمرر استراتيجيات مالاتروق لامبراطورية الوسط..‏

كما أن قضايا الشرق الأوسط سوف تستأثر باهتمامات أوباما الخارجية وعلى نحو متزايد، ليس بسبب غنى هذه البقعة من العالم بالنفط ولكن تخوفاً من إخفاقات الربيع العربي وصعود الإسلاميين.. القوات الأميركية غادرت العراق منهزمة وقريباً تغادر أفغانستان مندحرة وباكستان ماذا يحلّ بها؟ إيران التي تمضي قدماً في برنامجها النووي كيف يتم صدّها عن ذلك؟ الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، هل هوقابل للحل لدى الإدارة الأميركية الحالية؟ سورية، ما العمل حيال الإرهابيين الذين يرتكبون مجازر وحشية بحق المدنيين الأبرياء.‏

حيال هذه الأخطار المتراكمة، يعزف الأميركيون عن فرض نظام دولي على العالم أجمع.. لقد تعبوا من مغامراتهم العسكرية العبثية خارج حدود بلادهم، يرغبون اليوم بدعم ومساعدة حلفائهم مع عدم تمسكهم مع ذلك بالدور الرئيسي لحكومتهم والتي ماتنفك تستحوذ على أكبر ترسانة للأسلحة وبتشكل يثير الدهشة.. ومازالت الميزانية المخصصة لوزارة الدفاع تفوق بشكل لامثيل له باقي ميزانيات العالم المخصصة لأغراض دفاعية ومع ذلك، القوة العظمى تتفكك خيوطها مع توالي الأيام والسنين.. وحقيقة الأمر أن أوباما في ولايته الأولى والثانية، يجسد بالتمام أميركا التي تدور حول نفسها.. أميركا المتخوفة والمتوجسة من العالم والراغبة في نيل حماية اجتماعية أكبر، والسير نحو الاجتماعية-الديمقراطية- خلاصة القول: ولاية أوباما الثانية لن تكون، على الإطلاق أكثر حماسة وإحرازاً للانتصارات..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية