تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ميخائيل نعيمة.. سيرة ذاتية وخلاصة إبداع تاريخــي

ثقافـــــــة
الاثنين 4-2-2013
 آنا عزيز الخضر

ميزة أدب السيرة الذاتية أنه يجذب فضول القارئ، كونه يرتبط دوما بحياة شخصيات أدبية عظيمة الشأن في مجال الإبداع، حيث امتلكت خصوصيتها ووقعها عند الناس، بعد نجومية ساطعة في مجال ما من المجالات الإبداعية،

خصوصا انه كثر هذا الجنس الأدبي الخاص في عالمنا العربي، وفي كل المجالات، في مجال نجومية الأدب وأنواعه المختلفة، كما في العلم، وفي السياسة والطب.. وغيره، إضافة إلى ميزته كونه حاضرا في كل الآداب العالمية والثقافات الإنسانية، وأول من لفت النظر إليه (جان جاك روسو) فكان له انتشار واسع بعدها في الأدب الغربي، كما وجد انتشاره الواسع عند المبدعين على مساحة الوطن العربي، وكان هناك الكثير من المؤلفات في أدب السيرة الذاتية في الأدب العربي، وكان منها في مجال السياسة مثل (احمد أمين) في كتاب (حياتي)، وكان أيضا (مذكرات طبيبة) لنوال السعداوي، ثم للشاعرة (نازك الملائكة) و(الأيام) بأجزائه المتعددة لطه حسين وقد اعتبر الأب الروحي لهذا الشكل الأدبي في الأدب العربي المعاصر، فكان كتاب (الأيام) الأكثر شهرة والأوسع انتشارا في مجال السيرة الذاتية، فالسيرة الذاتية أصبحت تشكل احد الملامح الهامة والواسعة في الأدب العربي، كما يؤكد نقاد الأدب، وقد كثرت الأسماء في مجالها، فكان (زكي نجيب محمود) و(توفيق الحكيم) و(عباس محمود العقاد) و(لطفي السيد) (توفيق العمر)، وأصبحت الكتب التي تدور في سياق أدب السيرة الذاتية أكثر من أن تعد في الساحة الأدبية، وكان لكل منها عوالمها وميزاتها، التي تصور تجارب خلاقة مختلفة وخلاصة إبداع متألق في كل شيء، في الأسلوب الأدبي، في الرؤيا، في الأفكار، في التجربة الإنسانية المتطورة، وفي كل المجالات ترتبط مع المجتمع برباط وثيق وفي كل تفصيل ومفصل وكل مكون فيها، فاكتسبت السيرة الذاتية مقدرة أن تصور تجارب مجتمعية بأكملها، وقد حملت بين طياتها تجارب إبداعية وتواريخ واتجاهات حضارية وصورت عصور وأزمنة كثيرة مضافا إلى أناسها، فكيف إن كان كاتب تلك السيرة هو (ميخائيل نعيمة) ذلك الشاعر والكاتب والفيلسوف والقاص والناقد وصاحب التجربة الإنسانية الطويلة، فهومفكر عربي كبير، ويعتبر من الجيل الرواد الذين قادوا النهضة الفكرية والثقافية في الوطن العربي، وعاشوا أحداث اليقظة العربية، ويعتبر من الرواد الذين قادوا مرحلة التجديد في الوطن العربي، فحياته الأدبية غنية في كل مجالات الإبداع، وكانت مؤلفاته كثيرة، بدءا من (سنتها الجديدة) (العاقر) (مرداد) (في مهب الريح) (مسرحية الأبناء والبنون) ديوان (همس الجفون) كما عرب كتاب (النبي) لجبران خليل جبران، وغيرها.. وأخيرا كان كتاب (السبعون) الذي ضم مسيرة حياته، وكل ما يتعلق بها بكل تجاربها ومحاورها الغنية والإبداعية، إذ لخصت مسيرة حياة شخصية أديب، جال العالم، واطلع على ثقافات الشعوب، وعرف حضارات كثيرة عن قرب، وتعامل مع أناس من كل بلدان الدينا، بحكم سفره المتواصل، من فلسطين إلى روسيا إلى أمريكا، وكل ذلك تضمنه كتابه (السبعون) الذي يحكي سيرة حياته، وهي على ثلاثة أجزاء، تضمنت بداية رحلته الدراسية الأولى إلى فلسطين، التي وصفها كأنها جنة حقيقية على الأرض، ثم كانت رحلته لمتابعة دراسته إلى أوكرانيا ثم إلى واشنطن، ومن بعدها كان الجزء الثالث، الذي تضمن عودته إلى لبنان، فكان الكتاب غنيا بكل أبعاده، الأدبية والفكرية والثقافية والأسلوبية، حيث سجلت تلك السيرة تجاربه ومعايشته ومعاصراته للحياة، من منظور شخصية أدبية، جمعت كل تلك الميزات الإبداعية من شعر وحكمة ونقد وسياسة وفلسفة وفكر، لان الكتاب نفسه تعمق في كل مجالات الحياة، وفي أصقاع مختلفة من بلدان العالم، بمجتمعاتها وأناسها وأحوالها، فكان حكاية مسيرة حياة حافلة بالمعرفة والثقافة والأحداث الاستثنائية المختلفة، ثم الاستعراض وتقديم صور مختلفة عن الثقافات العديدة، من الروسية إلى الانكليزية إلى الأمريكية وغيرها، وقد كثف الأديب الكبير خلاصة إبداعه، بعد أن جمع فيها كل تجاربه الواسعة، وبعد أن ترشحت عبر فكر حقيقي غني، استطاع أن يبلور رسالة الأديب ومهمته، كما أكد النقاد في آرائهم حول كتاب (السبعون) فهو جمع سيرة حياة أدبية، وفكر واسع، ورحلة إبداع، وإن اقتصرت على حياة الكاتب شخصيا، وبدأت منذ الصبا إلى آخر العمر، إلا انه نقل عبرها كل ما عاشه بعين الناقد، ووجدان الشاعر، وذهن المتبصر الذي ينظر إلى التجدد والآفاق الأجمل في الحياة دوما، وقد نقلها للقارئ من خلال ما عاشه، وما خالجه من مشاعر، وما عاناه، ودرسه، وبحثه، ناقلا رحلة كفاح وإبداع واسعة وشاملة، ممتزجة مع نتاجات عقل جمع ثقافات عديدة ومعارف ورؤيا مضيئة، اطلع عليها القارئ أيضا عبر خلاصة أسلوب إبداعي وأدبي خلاق لأديب علم، لطالما أغنى الثقافة العربية بأعماله.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية