تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


رأي.. المثقف..رؤيـــة الإعــــلام وهندســــة الــدور..

ثقافة
الأثنين9-9-2019
عبد المعين زيتون

مما لاشك فيه أن للمثقف في المجتمعات الإنسانية قيمة خاصة وموقعا متقدما يملؤه تلقائيا, ومن ذلك الموقع يمارس دوره الريادي المنتج للقيم الإنسانية,

لأنه يدرك أكثر من غيره حقيقة الخلق والوجود الإنساني في الأرض.‏

ولن يختلف اثنان من العقلاء - كثيرا - في هذه الحقيقة وفي أبعادها ومقاصدها وأهدافها القريبة والبعيدة, والتي يأتي في مطلعها إعمار الأرض والارتقاء ببني البشر, والدفع بهم نحو الأجمل والأفضل والأسمى..‏

وما الحضارات التي شهدتها الأرض منذ أن وجد الإنسان فيها إلا دليل على أن الإنسان أدرك بالفطرة قيمته ودوره الطبيعي, حيث وجد نفسه..‏

ولعله من البداهة بمكان, بالنسبة إلى إنسان سليم, أن يرى أن مشكلته في الحياة, ليست في العثرات والأحجار التي يجدها في طريقه, ولا في الحفر التي تحول دون تقدمه, بل في ذلك الذي رمى الأحجار وحفر الطريق!‏

هذه الحقيقة البسيطة, هي التي تتصل وتصل بنا الى ذلك الإنسان الذي تقع على كاهله المسؤولية الأخلاقية والأدبية حيث وجد نفسه, في رفع الأحجار, وردم الحفر وإصلاح الطريق أمام أخيه الإنسان..‏

وإذا لم يكن للمثقف هذا الدور في حياتنا العامة, فما دور المثقف إذاً؟!‏

إن المثقف, ولأنه كذلك, فإنه -أكثر من غيره - يمتلك كل أدوات البراعة والإبداع والكياسة واللباقة, التي يصوغ من خلالها الحجج والبراهين ليثبت من خلالها - مع الأسف- أنه الضحية !‏

وهو مايمكنه ويساعده على نحو ما من التخلص والهروب من مسؤولياته والتزاماته الأخلاقية والوجدانية الملقاة عليه أساسا وأصالة..‏

ربما هذا ما أقدم عليه الكثير من المثقفين العرب والسوريين, دون أن ينجو - بطبيعة الحال - أحد منهم من التهمة في التخاذل والتقصير..‏

ولعلي أسمح لنفسي كثيرا في التركيز على دور المثقفين في أزماتنا, ليس لأنهم - وكما قد يبرر أو يرى البعض - أن المثقف يمثل نفسه وحسب, بل إن الحقيقة أن المثقف حيث كان, هو الرأي العام, لأنه في حقيقة الأمر هو الذي يصنعه, وهو الذي يسهم في تصنيعه وتقديمه للمجتمع..‏

والمثقف هو الذي يجسد ويبلور هذا الرأي وذاك الاتجاه, وهو الذي يصبح في مرحلة أبعد من الرأي العام ذاته!‏

هذا الرأي الذي يفترض أن يأتي بالحلول لا بالمشكلات, وهو الرأي الذي يفترض أن يتصدى بأمانة لأزمات المجتمع أيا كان حجمها ونوعها وطبيعتها, ثقافية أو فكرية أو علمية أو اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية, وغيرها من المشكلات التي لاتنتهي لأن المشكلات في أي مجتمع تأتي من طبيعة الأشياء والوجود والحياة..‏

فالمثقف هو صاحب الرأي لأنه يصنعه, وهو صاحب الخطاب, وهو الذي عليه أن يحضر لا أن يغيب, ذلك أن للحضور فعلاً إيجابياً منتجاً، وللغياب فعل معاكس, والمثقف لن يكون بريئا إذا اختار أي شكل من أشكال الغياب, في كل فضاءاته الطبيعية, من الأسرة وصولا إلى الحلقات الاجتماعية الأوسع فالأوسع.‏

إنه (المثقف) جزء أساسي حيوي فعال من الرأي العام, الذي لاينبغي أن يتعطل أو يغيب..‏

ولأن الثقافة في حياة الشعوب قيمة عليا, فإن على حاملها امتلاك الفعل الثقافي المسور بالمصداقية والإخلاص والوفاء, مثل هذا المثقف من يستطيع مواجهة المشكلة لا الهروب منها, وإذا لم يكن المثقف على هذا الحال, من تراه يكون إذاً؟‏

من الطبيعي أن يحمل المثقف هذا الهم, ليتنكر كثيرا لشخصه, وشأنه, لأنه يرى نفسه من خلال الكل لا الأنا, لاسيما وأنه يمتلك كثيرا من حوامل البلوغ إلى الأرقى والأجمل.‏

يصوغ المثقف دوره ورسالته, من قدراته هذه, فيتجه همه الكبير إلى الدفع بمجتمعه لبلوغ السمو, والسلام.‏

لقد غاب مثقفنا عن كثير من هذا البعد, ما أسهم في خلق ظواهر الأزمات المتنوعة التي نعيش تداعياتها الرهيبة في أيامنا هذه. وأجدني أمام واحدة من هذه الظواهر، ظاهرة أشبه بالداء, وهي تلك التي نعايش إسقاطاتها ومخاطرها..‏

فثمة لهاث متناوب بين البعض وبين الإعلام !!‏

لهاث الكد والركض للظهور وملء ساعات البث في الفضائيات, بصرف النظر عن إمكانيات هذا وقدرات ذاك, في امتلاك المنهج العلمي الذي يقدم من خلاله خطابه للرأي العام.‏

ولعل غياب المثقف الحقيقي, وهروبه من مسؤولياته ومكانه, هو ماسمح (لأنصاف المثقفين), بهذا الانتشار..‏

ومن الطبيعي أن يملأ الفراغ أحد ما, إذا ما ضعف عند المثقف الإحساس بمسؤولية التصدي لمهامه الفكرية والوجدانية والأخلاقية..‏

تنمو هذه الظاهرة اليوم كالطحالب على جدران الثقافة المنيعة, بعدما غاب أصحاب الجدران عنها, فاحتل أنصاف المثقفين الدور الريادي غير المقنع, وزحف هؤلاء وراء نجومية منحتها لهم الفضائيات ووسائله عن قصد أو بدونه.‏

ترى هل ساهم الإعلام العربي في غياب أو تغييب المثقف العربي؟!نعم, بلا شك!..لا بل وذهب على نحو مريب لمنح النجومية لأنصاف المثقفين, لأن مثل هؤلاء يتماشى مع أهداف هذه الفضائية أو تلك, ويؤثرون بالناس بالطريقة التي تريدها هذه المحطة أو تلك, التأثير الخاطئ غالبا.‏

فهل يعترف الإعلام العربي بهذه الحقيقة المرة، على نحو يعيد إليه المثقف الحقيقي إلى مكانه الطبيعي؟‏

وهل يصحو إعلامنا العربي من كبوته وغفوته ويستعيد رسالته المتماهية مع رسالة المثقف العربي؟‏

وهل يكلف مثقفنا العربي نفسه عناء استعادة دوره ومكانه الحقيقي.. أم أن هذا الغياب سيستمر طويلا؟!.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية