تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أوباما والموال الذي لم يفارق البال

متابعات سياسية
الأحد 1-11-2015
بقلم:عبد الرحمن غنيم

يحدث أن يتمرجل أحد الضعفاء من باب المكابرة , فينظر إليه الناس على أنه مكابر أو متبجّح . ولكن يبدو أن هذا اللون من المكابرة لا يليق بحكام قطر , إذ سرعان ما يكتشف المرء أن مكابرتهم كانت تنفيذاً لأمر أملي عليهم , فكان بالنسبة لهم كالقضاء المستعجل الذي لا يمكن ردّه !!.

حين تكلم نتنياهو قطر وزير خارجيتها العطية وكلمة نتن في اسم نتنياهو تعني عطية عن استعداد مشيخته النفطية الغازية للمشاركة في الغزو العسكري لسورية لم يكن بالتأكيد يعبّر عن نفسه بما في نفسه , أو كما يقال يأخذ مشورته من رأسه . ويقيناً أن الوزير القطري لا يمكن أن يتقمّص شخصية أبي زيد الهلالي إلا إذا كان هناك مخرج يهودي هوليودي طلب منه تمثيل دور الغازي الذي لا يشق له غبار حتى ولو بالكلام .‏

لم يكد يمرّ يومان فقط على كلام نتنياهو قطر العنترية , حتى كانت المصادر الأمريكية تتحدث عن عودة الرئيس الأميركي أوباما الى طرح خيار التدخل العسكري البري الذي تقوم به دول إقليمية في سورية تنفيذاً للإرادة الأمريكية . وهذا يعني انكشاف السر وراء كلام نتنياهو قطر , وهو أنه ورده من واشنطن خبر , فراح يردّد دون أن ينتظر العبارة المنتظرة من أمثاله « شبيك لبيك عبدك يا أوباما بين يديك » . وهكذا نستطيع أن نفهم سرّ المرجلة القطرية التي أثارت دهشة الجميع واستغرابهم . فهذه المرجلة لم تكن مجرد « منفخة» كما تصوّر الكثيرون , فضحكوا حتى انكفؤوا على أقفيتهم من الضحك .‏

على كل حال , لا تكمن المشكلة فيما بدت منفخة قطرية , وإنما في الموّال الذي عاود أوباما بعد أن كنا نظن أنه أبعده نهائياً عن البال .‏

كان أوباما قد تحدث عن هذا الخيار قبل انعقاد الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة بأسبوعين . ويومها جرى الحديث عن النيّة الأمريكية في طرح مشروع قرار على الجمعية العامة للأمم المتحدة يبيح هذا التدخل بذريعة محاربة داعش بالطبع , إذ لا مجال لانتزاع قرار هو بمثابة التوصية إلا بمثل هذه الذريعة . أما اللجوء الى الجمعية العامة فغايته تفادي الفيتو المزدوج الروسي – الصيني المتوقع في مثل هذه الحالة بمواجهة أي مشروع قرار تشتمُّ منه رائحة العبث . لكن أوباما وجد نفسه عاجزاً عن طرح مثل هذا الخيار بعد أن باغته خطاب الرئيس الروسي بوتين أمام الجمعية العامة مثلما باغته القرار الروسي بإسهام سلاح الجو الروسي في قصف مواقع الإرهابيين في سوريا , حيث تجسد أمام الجمعية العامة المثل القائل « قطعت جهينة قول كل خطيب « , فآثر أوباما طيّ هذه الورقة وعدم طرحها إذ كيف يمكنه أن يبرر دعوته الى تدخل برّي بينما هو يعارض التدخل الروسي الجوي رغم مرور أكثر من سنة على تدخل أميركا وحلفها الستيني جواً بدعوى محاربة داعش ؟! .‏

هنا , لا بدّ وأن يطرح نفسه السؤال : ما الذي جعل موال التدخل البري يعود ليخطر ببال أوباما مع أن الظروف التي استلزمت طيّه في اللحظة الأخيرة التي يخطط فيها لطرحه لم تتغيّر بل تعمّقت أكثر ؟! .‏

لعل الجواب على هذا السؤال هو أن هذه الظروف الجديدة بالذات هي التي جعلت أوباما يعود الى خطته المطويّة لينشرها من جديد , وليبلغ بها الأطراف المطلوب استثمارها ومنها قطر . وهذا ما جعل الوزير القطري يطلق صيحة التلبية على النحو الذي أثار دهشة واستغراب الجميع .‏

إن أوباما الذي يرى في استغلال الإرهابيين التكفيريين غاية عليه أن يحافظ عليها بأيّ ثمن , طالما أن هؤلاء هم البديل لاستخدام القوات البرية التابعة للجيش الأميركي أو لحلف الناتو , يواجه الآن الحاجة الى الاحتفاظ بهؤلاء بعد أن صار خطر انهيارهم ومقتل الكثيرين منهم وارداً . وربما اختمرت في ذهن أوباما أيضاً فكرة محددة , وهي أنه إذا كانت الخطة الشيطانية الرامية الى نشر الفوضى في المنطقة بهدف تمكين إسرائيل من التوسع بين الفرات والنيل تفترض تقويض أنظمة المنطقة بعد الإجهاز على سورية , فما هي المشكلة في إقحام تلك الأنظمة المستهدفة أيضاً بالفوضى لتغرق في حرب إقليمية شبه عالمية , بحيث يتدخل فيها الأمريكي وشركاؤه في الناتو ضمن حدود معينة , مثلما تتدخل فيها إسرائيل وفق حسابات مدروسة حسب مراحل تلك الحرب وصولاً الى الاجتياح الاسرائيلي للمنطقة في نهاية المطاف ؟. ثم إن زج هذه الأطراف الإقليمية في الحرب – ومهما كانت النتائج المترتبة على ذلك – ستكون سبباً إضافياً لتوريد المزيد من الأسلحة والعتاد لهذه الأطراف , وبالتالي الى مزيد من الاستنزاف المالي لها . ولنلاحظ أن تورط هذه الأطراف في الحرب البرية من شأنه أيضاً أن يعمّق لديها الحرص على الاحتفاظ بالإرهابيين كأدوات تخدمها عملياً . وها نحن نرى كيف أن السعودي المتورط في اليمن يراهن على تنظيم القاعدة بالذات لعله يمكنه من كسب الحرب التي يشنها على اليمن . وطبيعي أن تعتمد السياسة ذاتها في أي حروب أخرى تخوضها الأطراف المتورطة في خدمة المخطط الأميركي- الصهيوني . وعموماً فإن إثارة الحرب الإقليمية على هذا النحو يمكن أن تضعف جميع الأطراف المنهمكة في الحرب , وهذا ما يخدم العدو الصهيوني بالمحصلة .‏

قد تكون المعطيات السابقة جزءاً مما يفكر به أوباما بالفعل ويجعله يعيد الى البال موال التدخل البري للأطراف الإقليمية . لكن هذا لا يعني أن طريقه الى تنفيذ مثل هذا المخطط ستكون ممهّدة . فالسعودي – ومهما بلغت به التبعية – لن يكون برعونة القطري العطية لتلبية الرغبة الأمريكية بينما هو غارق في الجبهة اليمنية , ثم إنه مضطر لأن يحسب ألف حساب لإيران ناهيك عن نتائج استفزاز روسيا . والتركي يعيش ظروفا انتقالية بانتظار نتائج الانتخابات المبكرة , ولا نظن أنه يستطيع قبل ذلك أن يقرر خوض أي مغامرة . ثم إن التعاون التركي – السعودي – القطري في نقل الإرهابيين الفارين من سوريا الى تركيا بحيث يجري استثمارهم في اليمن يدل على أن الموال عند أتباع أميركا الإقليميين هو غير ما يخطر بالبال عند أوباما الذي يحكمه حتماً المنطق القائل : إسرائيل أولاً !! . فالسعودي وشركاؤه الآن , ومنهم حزب العدالة والتنمية وجماعة الإخوان , شعارهم في هذه المرحلة هو : اليمن أولاً . ومعروف أن أردوغان كان – وربما بالتنسيق مع قطر – قد رحّل 250 إرهابياً تونسياً الى ليبيا بعد أن فروا من الأراضي السورية الى تركيا , مما يشير الى إلحاح الوضع في ليبيا ومصر وتونس بالنسبة لحسابات الإخوان وأردوغان .‏

والحقيقة أن أيّ تفكير منطقي يقول بأنه من العبث أن يعود أوباما الى موال التدخل البري بواسطة الأطراف الإقليمية بذريعة محاربة داعش في الوقت الذي أخذت فيه قواعد داعش تتهاوى . فإما أنه يريد مشاغلة الجيش السوري لإنقاذ داعش وأخواتها , وإما أنه يريد إحلال جيوش الحكومات العميلة له في المنطقة محل داعش . ومهما كانت الأفكار التي تتزاحم في رأسه فمن الثابت أنه في دوامة حقيقية لا فكاك له منها ولا خلاص . فخسارة ورقة الإرهاب وقعت بالفعل , وجيوش العملاء التي يراهن عليها ليست قادرة على أن « تشيل الزير من البير « , إلا إذا صدّق بأن نتنياهو قطر يستطيع أن يقدم له الخدمة المطلوبة , وإذا صحّ أنه جاء الزمان الذي تستطيع فيه قطر أن تخوض منفردة حروب الأمريكان . وعندئذ سيشرع أحد ما في كتابة رواية جديدة بادئة بعبارة « كان يا ما كان » .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية