تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


من جنيف إلى فيينا.. متغيرات وثوابت

متابعات سياسية
الأحد 1-11-2015
عبد الحليم سعود

على إيقاع الحضور العسكري الروسي القوي إلى جانب سورية في محاربة الإرهاب وتنظيماته التكفيرية المتطرفة، وعلى وقع الإنجازات المتسارعة في الميدان لتحالف بواسل الجيش العربي السوري وأبطال المقاومة الوطنية اللبنانية والطيران الروسي الصديق والمستشارين العسكريين الإيرانيين،

أثمرت الجهود الروسية الصادقة عن عقد لقاء دولي موسع في العاصمة النمساوية فيينا لبحث سبل حل الأزمة في سورية كانت إيران الدولة الحليفة والصديقة لسورية الحاضر الأبرز، وهي التي تم تغييبها بفعل التعنت الغربي وحماقة المشيخات الخليجية وتآمرها عن لقاءات جنيف، فكان حضورها في فيينا رسالة قوية لكل من يهمه الأمر.‏

فما الذي استجد منذ لقائي جنيف الأول والثاني وصولاً إلى لقاء فيينا الموسع حتى أذعن الغرب وأدواته لمنطق الأمور وقبلوا بمشاركة إيران في اللقاء بهذا الزخم وهذا التأثير وهم الذين اعتبروها زوراً وتضليلاً جزءا من المشكلة لا الحل، مع أن أغلب الحاضرين وفي مقدمتهم واشنطن وباريس ولندن وأنقرة والرياض هم عناصر أساسية في المشكلة والحرب وهم السبب الرئيسي في العرقلة وتعطيل الحل وتأجيج العنف والإرهاب بحكم رعايتهم الدائمة ودعمهم المستمر وغير المحدود للتنظيمات الإرهابية التكفيرية التي لا أفق سياسي لها..؟!‏

للإجابة على هذا السؤال لا بد من استعراض بعض المحطات التي عبرتها الأزمة والحرب في سورية، فعلى مدى نحو خمس سنوات ماضية لم يوفر محور التآمر والعدوان على سورية بكباره وصغاره وأدواته أيا من أساليبه القذرة، فجرب كل ما تيسر له من حصار وعقوبات وتصعيد وإرهاب وتضليل وكذب ونفاق وإثارة فتنة وتحريض وصولا إلى التهديد بالحرب عام 2013، ونتيجة عجزه عن الوصول إلى أهدافه وغاياته الدنيئة في إسقاط الدولة السورية وقهر إرادة شعبها الحر والصامد، راح البعض من هذا المحور يردد بنفاق في الإعلام وعلى منابره الخشبية معزوفة الحل السياسي تعويضاً عن فشله، على أمل تحقيق ما عجز عنه بالحرب والإرهاب عبر الدبلوماسية والمفاوضات، فكان جنيف الأول والثاني، وما بينهما وقبلهما وبعدهما عدد من اللقاءات المشبوهة لما يسمى «أصدقاء الشعب السوري»، كما تخلل ذلك إرسال مبعوثين أمميين مثل كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي وصولا إلى ستيفان دي مستورا، لكن دور الأمم المتحدة ظل قاصراً ومحدوداً وضعيفاً بسبب رغبة هذا المحور بالتصعيد وعدم اقتناعه بالحل السياسي لأنه لا يتفق مع أطماعه ومخططاته وخرائط نفوذه.‏

وخلال سنوات الأزمة استُحضر تنظيم القاعدة الإرهابي ممثلا بفرعه «جبهة النصرة» ثم تنظيم داعش والعديد من التنظيمات الشبيهة بهما من حيث الفكر المنحرف والسلوك الإجرامي، وتم رصد ثروات الخليج النفطية لتجنيد وتدريب وتسليح الإرهابيين من أجل إرسالهم للحرب في سورية، وجُير الفضاء العربي لشن الحملات والحروب الإعلامية ضد سورية، ليتوج الغرب نفاقه وأكاذيبه القياسية المفضوحة بادعائه محاربة الإرهاب وتشكيل تحالف دولي مزعوم يضم أبرز داعمي الإرهاب من أجل القضاء عليه..؟!!‏

في المقلب الآخر كان أصدقاء سورية وخاصة الروس والإيرانيون يحاولون البحث عن تسوية سياسية للحرب في سورية تحقن دماء الأبرياء وتجنب البلاد المزيد من الخراب والدمار والفوضى، فاستقبلت كل من موسكو وطهران العديد من المعارضين والوفود المعارضة وتم الاتصال بعدد آخر لنفس الغاية، ولكن هذه الجهود الصادقة اصطدمت بتعنت الغرب ورغبة مشيخات الخليج وتركيا بتطويل أمد الصراع والحرب من أجل استنزاف الدولة السورية وفرض الاملاءات والشروط عليها، وخلال هذه الفترة حققت إيران انتصاراً دبلوماسياً تمثل بتوقيعها اتفاقاً نووياً مع الدول الست الكبرى ما أعطاها قوة وحضوراً على المستوى الدولي، ثم جاء الحضور الروسي القوي إلى سورية قبل شهر ليكون ذلك إيذاناً بانتهاء فترة الجمود والتعطيل وعودة الروح لمسار الحل السياسي المستند إلى انجازات الميدان في مواجهة الإرهاب وتنظيماته الشريرة..!‏

وفي ظل هذا الحضور الروسي والإيراني القوي تكتسب لقاء فيينا الأخير أهميته الاستثنائية، فكفة الميدان بدأت تميل بسرعة لصالح الدولة السورية ومؤسساتها الشرعية في معظم المناطق باعتراف خبراء البنتاغون، في حين بدأت بعض التنظيمات الإرهابية بعد ما تلقته من ضربات قاسية رحلة انهيارها وفرارها، حيث تم نقل المئات منهم جواً إلى ساحات صراع أخرى كاليمن، أما الدول الداعمة للإرهاب فقد بدأ البعض منها بالشعور بالحرج والضيق نتيجة انكشاف مخططاته وسقوط أكاذيبه، بدليل قبوله بحضور إيران لقاء فيينا دون شروط مسبقة، وإدلاء بعض المسؤولين الغربيين بتصريحات مغايرة ومختلفة عن تصريحات تصعيدية أدلوا بها سابقاً.‏

ولكن هذا لا يعني مطلقاً أن الحل السياسي في سورية بات قريبا أو أن قطار الحل بات على السكة الصحيحة، فما زال بعض أركان محور العدوان يحاولون تحسين شروط جلوسهم إلى مائدة التفاوض عبر تزويد الإرهابيين بأنواع جديدة من السلاح المتطور على أمل التقليل من إنجازات الجيش العربي السوري في الميدان وعرقلة الجهود الروسية في محاربة الإرهاب، وقد تشهد فيينا العديد من اللقاءات في المرحلة المقبلة اعتماداً على ما يتم إنجازه على الأرض، ولكن ثوابت السياسة السورية لن تتغير.. القضاء على الإرهاب أولا ومن ثم تبحث كافة الملفات، مع بقاء الكلمة الأولى والأخيرة في تقرير مستقبل سورية للشعب السوري وحده دون تدخل أو وصاية من أحد..!!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية