تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عن ندرة النص المحلي .. وإغواء الاقتباس في العروض المسرحية

ثقافة
الأحد 1-11-2015
علي الراعي

على ما يرى المؤصلون للحركة المسرحية، فإنّ العرض الأول الذي قدمه أبو خليل القباني على أول خشبة عربية، كان مُقتبساً عن مسرحية «البخيل» للفرنسي موليير، ومن حينها إلى اليوم، وحركة الاقتباس بقيت هي السائدة في العروض المسرحية السورية، ومن ثمّ كان الكتّاب المسرحيون في العالم العربي هم من الندرة بمكان.

‏‏

في سورية - على سبيل المثال - إذا ما حاولنا أن نعدد الكتاب المسرحيين، فإننا سنعجز بالتأكيد من إكمالهم ليصيروا بعدد أصابع اليد الواحدة، وهم في غالبيتهم من جيل مُعين، أقصد بذلك كل من: سعد الله ونوس، ممدوح عدون، عبد الفتاح قلعجي، فرحان بلبل، ثم سنبحث طويلاً حتى نعدد آخرين. ومن ثمّ كان المسرح أمام أمرين، اما اقتباس النصوص الأجنبية رغم كل ما في ذلك من خطورة، أو تصدي المخرجين المسرحيين لمهمة الكتابة للمسرح، رغم ما في الأمر من خطورة أيضاً.!‏‏

غواية الأجنبي‏‏

المخرج المسرحي السوري مأمون الخطيب يُرجع أمر اقتباس النصوص المسرحية، إلى أولاً: لأنّ المسرح - كما هو متعارف عليه اليوم - هو فنٌّ مستورد من الثقافة الغربية، وبعدها من الثقافة الروسية (كمنهج أدائي)، ويضيف: لم نستطع إيجاد نصوص حقيقية تُقارب الهم الاجتماعي السوري بشكله الحقيقي، إلا فيما ندر سعد الله ونوس على سبيل المثال.‏‏

وبنظرة بسيطة للعروض التي قدمها المخرج الخطيب، يُلاحظ المُتابع، ميله لمسرحة النصوص المُقتبسة عن مسرحيات أجنبية، بدأ ذلك منذ أولى عروضه: «بئر القديسين» عن نص جون ميلنغتون سينغ؛ و«الأقوى» للسويدي أوغست سترندبرغ، «تلاميذ الخوف» عن نص لإيفون وولف، و«ليلة القتلة» عن نص خوسيه تربيانا؛ حتى عرض «زنوبيا» الشخصية السورية العتيقة، كان عن نص الإسباني كالديرون دي لا باركا، عن هذا الإغواء يقول: يُغريني بالنصوص الأجنبية؛ قُربها من واقع مجتمعاتها؛ والطرح الإنساني العام الذي في تفاصيل مقولات تلك النصوص، والقدرة العالية على تجسيدها على خشبة المسرح بشكلٍ علمي وإنساني بنفس الوقت، بعكس النصوص العربية التي - في الغالب - تتجه صوب «الذهنية» أي أنها مكتوبة بشكلٍ أدبي بحت يصلح للقراءة، وليس للتشخيص، أو لتنفيذها بشكلٍ عملي على خشبة المسرح.‏‏

حكاية لي العنق‏‏

لكن «تبييء» النص الأجنبي، فيه الكثير من «لي عنق» الإبداع بشقيه الأجنبي والمحلي، ومن ثم الوقوع في التغريب حيناً، وطوراً في تلفيق العمل الإبداعي، يُشبه الأمر ترجمة قصيدة من الشعر العالمي إلى العربية، فنخسر بذلك متعة جماليات اللغة الأجنبية، كما نخسر قراءة قصيدة حقيقية، لكن المخرج الخطيب لديه وجهة نظر أخرى إذ يقول: من جهتي أرى إن تبييء النص الأجنبي؛ هو حاجة لا يُعوّض عنها سوى فهم الكتاب المسرحيين العرب لماهية النص المسرحي الذي يُلامس أولاً المخرج، ومن ثم يُلامس كل الممثلين، حتى الجمهور، ويكون «لي العنق» عندما لا نفهم هدف ومقولات وأفكار تلك النصوص، أو لماذا نقدمه، وتكون «الخيانة» هنا؛ هي بعدم فهم أفكار النص وغايتها، ويأتي تبييء النص من خلال نقل جماليات البنية الحقيقية لذلك النص، وهنا يأتي دور الدراماتورجيين، أي المختصين في هكذا عملية - تبييء النصوص - وهم خريجو الدراسات المسرحية؛ ويُفترض أنهم يعرفون تماماً ماذا يعني تبييء النص الأجنبي إلى المحلية.‏‏

ويضيف مأمون الخطيب: نعم يوجد ندرة في وفرة النصوص المسرحية المحلية والعربية، وفي توفر الخيارات، وأرى السبب فيمن يُفترض عليه واجب الكتابة للمسرح، والذين يتجهون للكتابة في فنون أخرى، بسبب الحاجة المادية، نعم يوجد كتّاب مسرحيون في سورية؛ لكنني أراهم «كُسالى» والأمثلة كثيرة.‏‏

وعندما سألته رأيه في مسرحة القصائد، وإن كان يغويه مثل هذه التجربة، فيذكر: نعم تُغريني كثيراً مسرحة بعض القصائد، ولكن بشكلِ مسرحي حقيقي، يوجد تجارب كثيرة في هذا المجال، ولكني اعتبرها أمسيات شعرية جميلة تتضمن عناصر مسرحية، وهذه ليست هدفي المسرحي النهائي، الشعر والقصة القصيرة هي أنواع إبداعية يلزمها محترفون - ممثلون - لنقلها للمشاهد بأجمل صورة مع بعض العناصر المسرحية والموسيقا، وهذه التجارب - كما ذكرت - أصبحت موجودة في سورية، ولكنها لم تصل إلى النتيجة المرجوة مسرحياً، وتبقى تجارب فردية لأشخاص وحسب.‏‏

إذن: هل أنت مع فكرة «إن كل النصوص» قابلة لأن تُجسد مسرحياً أسأله، فيجيب: لا.. لستُ مع هذه الفكرة، ربما كل الأفكار قابلة لأن تُجسد، لكن ليس كل النصوص، قد تصلح بعض النصوص للقراءة كمنتوج أدبي فقط، أما عناصر التشخيص؛ فهي للأفكار وليس للنصوص.‏‏

غالباً ما اكتفى مأمون الخطيب بالإخراج في شغله المسرحي، غير أنه في عرض «نبض» كان كاتباً للنص؟ عن ذلك يُجيب: الحقيقة كنت كاتباً لأكثر من نص مسرحي غير «نبض»، والسبب يعود لأنني لم أجد من يُقدم لي ما احتاجه من تجسيد أفكار مُعينة أريد تشخيصها على الخشبة، وأمر كتابتي للمسرح؛ ليس تحولاً بقدر ما هو حاجة - كما ذكرت - لتقديم أفكار أو فكرة مُعينة في زمان ومكان محددين.‏‏

ويردف: في كل الأحوال؛ قبل العمل على أي فكرة مسرحية، غالباً ما كنت «أتسوّل» الكتاب لمساعدتي في تقديم تلك الفكرة، ومن وجهة نظري، فإن كتابة نص مسرحي عن فكرة تؤرقني كمخرج، وذلك كان نتيجة لأهم ما تعلمناه خلال الدراسة الأكاديمية.‏‏

كذلك في المسرح‏‏

درجت في السينما السورية، ولزمن طال بعض الشيء ما سُميّ حينها بـ «سينما المؤلف» في المسرح أيضاً، ثمة شبيه بسينما المؤلف؛ أي المخرج يكون صاحب النص؛ أسأل الخطيب: هل أنت مع ما يمكن تسميته «مسرح المؤلف» وهل ثمة خطورة في هذا المجال، ام أن الأمر لصالح العمل المسرحي، باعتبار المخرج هو قائد العرض المسرحي بشكل عام، وعليه الشغل في مختلف التفاصيل، يُجيب: إن خطورة «مسرح المؤلف» في أنه يقترب - أحياناً - من الشخصنة، وبكل الأحوال فإن «موت المؤلف» يبدأ عند تقديم العرض المسرحي على الخشبة، العرض الذي يُحوّل النص تقريباً إلى «مسرح المخرج» وهذا الأمر تمّ ابتداءً منذ شكسبير وإلى اليوم.‏‏

مع ذلك أفضّل أن يعمل كلٌّ باختصاصه.. لكي نصل إلى حالة إبداعية جماعية تكوّن في النهاية مُنتجاً ثقافياً يحترم عقل وروح المشاهد، ويختم الخطيب: في سورية يوجد المخرج المسرحي، ويوجد الممثلون المسرحيون، ولكن هناك ندرة حقيقية في النقاد وفي الكتاب المسرحيين الحقيقيين.‏‏

alraee67@gmail.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية